تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من ذاكرة التاريخ الأندلسي]

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 03 - 2010, 07:51 ص]ـ

[من ذاكرة التاريخ الأندلسي]

سقوط إشبيلية، حاضرة الأندلس، سنة 646 هـ، وكان ذلك بتأييد معنوي ومادي من زعيم بني الأحمر، صاحب "غرناطة" آخر الممالك الإسلامية في الجزيرة الأيبيرية، فقد عقد اتفاقا أمنيا أو معاهدة دفاع مشترك!، بلغة العصر، مع ملك قشتالة، يتعهد بموجبها بتقديم الدعم المعنوي والمادي لجيوش قشتالة، وكان عليه أن يلتزم ببنود المعاهدة في ظل حالة الانهيار التي اجتاحت الإرث الإسلامي في الجزيرة بعد هزيمة العقاب الشهيرة سنة 609 هـ، فقد سقطت حواضر الأندلس تباعا فكانت كحبات لؤلؤ انفرط عقدها:

فسقطت قرطبة سنة 633 هـ، وسقطت بلنسية حاضرة الشرق سنة 636 هـ، وكان الدور هذه المرة على: مدينة "إشبيلية" العظيمة، حاضرة ملك بني عباد، وحاضرة ملك المرابطين، والموحدين، من بعدهم، ولم تخل الساحة كالعادة من خائن، وكان محمد بن يوسف بن الأحمر، زعيم أسرة آل الأحمر، ملوك غرناطة فيما بعد، هو الخائن هذه المرة، فبعث، بموجب المعاهدة آنفة الذكر، قوة من فرسانه للمشاركة في حصار إشبيلية الباسلة، التي صمدت زهاء ثمانية عشر شهرا كاملة، ثم سلمت في أوائل رمضان سنة 646 هـ، لتسقط واحدة من أعظم قواعد جنوب الأندلس.

ويشيد المؤرخ الألماني يوسف أشباخ، بخيانة ابن الأحمر بقوله:

"وقدم محمد بن الأحمر، أمير غرناطة، وفق تعهده، بقوة من الفرسان، وعسكر أمام برج "الفرج"، وأبدى بحكمته وشجاعته، وما قدمه من فرسان حسني الأهبة، لملك قشتالة خدمات جليلة". اهـ

تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، (2/ 197).

ويعلق الأستاذ محمد عبد الله عنان، رحمه الله، في "تاريخ الأندلس" على هذه الخيانة بقوله:

"وكان موقف ابن الأحمر من هذه المواقف شاذا مؤلما، فقد كان يقف إلى جانب أعداء أمته ودينه، وكان يبذل للنصارى ما استطاع من العون المادي والأدبي، وكان معظم الزعماء المسلمين من حكام المدن والحصون الباقية، وقد أيقنوا بانهيار سلطان الإسلام في الأندلس، يهرعون إلى احتذاء مثاله، وإلى الانضواء تحت لواء ملك قشتالة، وكانت هذه المناظر المؤلمة تتكرر في تاريخ الأندلس منذ أيام ملوك الطوائف، حيث نرى كثيرا من الأمراء المسلمين يظاهرون النصارى على إخوانهم في الدين، احتفاظا بالملك والسلطان". اهـ

دولة الإسلام في الأندلس، (7/ 46).

ولا يختلف الواقع المعاصر عن الواقع الأندلسي كثيرا، ففرناندو العصر قابع في البيت الأبيض، ومن قبله كان التاج البريطاني هو فرناندو زمانه، ولكل زمان: فرناندو، ولكل زمان ملوك طوائفه، والسياسات الملوكية الجائرة لا تجد غضاضة في ممالأة القوى العظمى طلبا لعافية متوهمة، فإن ابن الأحمر لم يسلم، أو بالأحرى لم يسلم ملكه من عدوان قشتالة، وإن عملت السنة الكونية عملها، فلم يكن السقوط آنيا، وإنما استغرق ما يزيد على قرنين، فبين سقوط إشبيلية: 646 هـ، وسقوط غرناطة: 897 هـ: 251 سنة، اقتطعت فيها القلاع والمدن تدريجيا حتى استلبت مدينة غرناطة حاضرة الملك الذي أقامه ابن الأحمر، والنظر إلى المآلات مئنة من كمال العقل، فلو لم يكن الأمر ديانة، فليكن سياسة، فالصفقة خاسرة دينا ودنيا، وإنما يتعجل الإنسان العافية بمباشرة أسباب الهلاك لنقص في عقله ودينه.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في مثل هذه المضائق، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين: أين كان شعب غرناطة المسلم، وهو يرى مليكه يقدم على هذه الخيانة العظمى، وكيف استجابت جيوشه لنداءه الآثم، فشاركت في غزو بلد مسلم كـ "إشبيلية"؟!، والجواب: كما تكونوا يول عليكم، ولو علم الله في قلوب أهل غرناطة خيرا لاستعمل عليهم ملكا خيرا من ابن الأحمر.

وبالرغم من ذلك يلتمس الأستاذ عنان، رحمه الله، لابن الأحمر، عذرا في فقرة تالية، فيقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير