تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سيرة الشيخ القسام رحمه الله]

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 02 - 2010, 08:15 ص]ـ

الشيخ محمد عز الدين عبد القادر القسام رحمه الله:

ولد سنة 1871 م في جبلة من قضاء اللاذقية في بلاد الشام، ودرس في الأزهر بعد بلوغه 14 سنة، ثم عين مدرسا للجامع الكبير في جبلة، وقد جاهد الفرنسيين في سوريا ولبنان مع عمر البيطار وهاجر إلى ضاحية الياجور قرب حيفا، وعمل بالمدرسة الإسلامية فيها ثم انتخب رئيسا لجمعية الشبان المسلمين في حيفا سنة 1928، ونجح في تأليف القلوب وجمعها على دعوته، وكانت له أنشطته العلمية والدعوية المتنوعة فكان معلما وواعظا ومأذونا للأنكحة ورئيسا لجمعية الشبان المسلمين فأتاح له ذلك الاحتكاك بكل طبقات المجتمع مما كان له أبلغ الأثر في دعوته الجهادية المباركة، فلم تكن دعوة نظرية على الورق، ولم تكن دعوة رسمية على غرار ما يجري في الوزارات الرسمية التي وكل إليها المتملكة والمتأمرة برسم الجور أمر تخريب الأديان باسم صيانتها وتجديد خطابها!، وإنما كانت دعوة مؤثرة تحلى صاحبها بالعلم النافع، وامتن الله، عز وجل، عليه بإرادة مصدقة لعلمه، فكم من أناس قد أوتوا الذكاء العقلي والتحصيل العلمي فحصلوا جملة من مسائل الشريعة، ولم يؤتوا الزكاء النفساني الذي يصير تلك العلوم حقيقة قائمة بالقلب تصدر عنها إرادات نافعة وأعمال صالحة، فدعوته، على محليتها وقصر عمرها، كانت دعوة نموذجية تمثل الإصلاح الديني الحقيقي، لا الإصلاح والتجديد التخريبي الذي روج له من عرفوا بالتنويريين الذين هزمتهم أوروبا بزخرف مدنيتها حتى تمنى أحدهم أن يكون غائطه، أكرمكم الله، من جنس الغائط الذي يحمله الغربي في معيه!، فدعوة الشيخ، رحمه الله، كانت على غرار دعوات كثيرة تفاوت تأثيرها تبعا لتفاوت أصحابها في القوى العلمية والعملية، واختلاف الأعصار والأمصار، فالجامع المشترك بينها: الإخلاص، ومعرفة موطن الداء، والتحلي بقدر من العلم يعصم صاحبه من التصور الفاسد الذي قد يودي بدعوته بلا طائل، فالعاقل يعرف متى يقدم ومتى يحجم، ومتى تكون النكاية في العدو متحققة فيقدم، ومتى تكون متوهمة فيحجم، وما الذي لا يسوغ التنازل عنه من الثوابت، وما الذي تمكن المناورة فيه من المتغيرات، فلا يعتدي على أصول كلية تحت ضغط الواقع، كما يقع من كثير من الحركات الإسلامية التي اضطرها الواقع إلى خوض معارك عامة على جبهات متعددة، فكان ذلك صارفا لها لزوما عن تحصيل جملة من العلوم الشرعية التي تصحح الرؤى والأفكار، ولا ييبس على فروع تمكن المناورة فيها، فليس الأمر علما أكاديميا مجردا ينعزل صاحبه عن الواقع، فلا يدري عن حال المسلمين شيئا بحجة تحرير المسائل، وهو هدف نبيل يقتضي التفرغ، بل هو من أشرف ما فرغت له الأوقات وبذلت فيه الأعمار، ولكنه ليس مرادا لذاته من جهة اقتضاء العلم العمل، فإن لم يكن ثم عمل مصدق للعلم فكبر على صاحبه أربعا، فقد أقام الحجة على نفسه، وشهد على قعودها عن العمل بما عنده من العلم.

يقول الخطيب البغدادي رحمه الله:

"فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالما من لم يكن بعلمه عاملا، وقيل: العلم والد والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرا في العمل ولكن اجمع بينهما، وإن قل نصيبك منهما، وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته. والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة، وتمم على عبده النعمة". اهـ

وليس الأمر في المقابل عملا حركيا بلا تصور علمي سابق، فالنية الصالحة لا تكفي لتصحيح العمل، بل هي أحد أمرين لازمين لقبول العمل، فلا بد من الإخلاص فهو أصل كل فلاح في الدين والدنيا، فيصحح العامل أول المنازل، فالقلب معدن التصورات والإرادات وأول الهم، وباعث الجوارح على العمل، فلا تنطق إلا بما قام به من المعاني صحيحة كانت أو فاسدة، ثم مع ذلك التصحيح لمبادئ العمل لا بد من علم يدرك به العامل حدود العمل وأركانه، وشرائطه وأحكامه، فلا يمكن أن يكون حكم في الخارج إلا فرعا عن تصور عملي أول، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره كما اطرد في كلام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير