تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن نزغ الشيطان]

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 08:18 ص]ـ

نزغ الشيطان: أمر لا يسلم منه مكلف مؤمنا كان أو كافرا، برا كان أو فاجرا، وإنما يتفاوت المكلفون في قدره وأثره، فيقوى عند أقوام حتى يخرجهم عن الجادة، ويضعف عند آخرين فلا يضرهم إلا أذى فإن قاتله المكلف بالاستعاذة والاستغفار ولى الأدبار، وتفاوت المكلفين في هذا الأمر من جنس تفاوتهم في الإيمان زيادة ونقصانا، فهو أمر يعتذر على بشر حده، فلا يعلم تفاوت البشر فيه إلا الرب، جل وعلا، المطلع على مجامع الأضغان ووساوس النفوس، فيعلم ما يلقي الملك من خواطر الخير، وما يلقي الشيطان من خواطر الشر، فعلمه قد أحاط بالقلوب، وقدرته قد صرفت الإرادات، فمن شاء أكرمه فأراد به الطاعة ويسر له أسبابها، ومن شاء أهانه فأراد له المعصية ويسر له، أيضا، أسبابها، فكل ميسر لما خلق له.

والعمدة في هذا الباب:

قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

فذلك من الأمر الموجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمته تبع له في ذلك، بل هي أولى بالاستعاذة منه، لا لكونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقصرا في حق ربه، عز وجل، بل هو أعبد الناس له وأتقى الناس لعذابه، وأرغبهم وأفقرهم إلى ثوابه، فكمال العبودية في كمال الافتقار، وهو الذي بلغ رتبة العبودية الكاملة، فخوطب بها في أشرف المقامات فـ: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)، فذلك مقام التقريب، و: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)، فذلك مقام التبليغ، فأمته أولى بالاستعاذة منه، إذ لهاتف الشيطان عليها سبيل ليس له مثله على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد أعانه الله، عز وجل، على قرينه فأسلم فلا يأمره إلا بخير فتلك من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاجتمع له الهاتفان: هاتف الملك وهاتف القرين بعد إسلامه، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ" وقال بعض أهل العمل بأن: "أسلم": بمعنى أسلم من وساوسه وإن لم يسلم، وإليه أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:

"ويدل عليه من صحيح السنة قول عليه السلام: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن) قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير). روي (فأسلم) برفع الميم ونصبها. فالرفع على معنى فأسلم من شره. والنصب على معنى فأسلم هو". اهـ

وقال الترمذي، رحمه الله، عقيب تخريج نحوه من حديث جابر رضي الله عنه: "قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ: يَعْنِي أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ قَالَ سُفْيَانُ وَالشَّيْطَانُ لَا يُسْلِمُ". اهـ

ويرده، كما يقول بعض أهل العلم قوله عقيبه: "فلا يأمرني إلا بخير"، فذلك مئنة من إسلامه إذ لو سلم من شره ما أمره بخير إيجابا، وإنما كف عن الوسوسة له بالشر سلبا، وقد ترجم الحافظ ابن حبان رحمه الله:

ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم في خبر شريك بن طارق: «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم» أراد بقوله: «فأسلم» بالنصب لا بالرفع.

وروى الحديث، وقال عقيبه: "في هذا الخبر دليل على أن شيطان المصطفى صلى الله عليه وسلم أسلم حتى لم يأمره إلا بخير، لا أنه كان يسلم منه وإن كان كافرا". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير