[التلطف و الأدب في السؤال سبب كبير في تحصيل النوال]
ـ[المروءة]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 07:49 ص]ـ
الحمد لله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على صاحب الخلق القويم و على آله و صحبه ذوي الفضل الكريم و على من صار على نهجهم إلى يوم المشهد العظيم
أما بعد:
فيقول رب العزة سبحانه {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
يخبر الله تعالى عن ذكر عبده الصابر أيوب عليه السلام, و ما كان من دعائه في مقام الذل و الفقر و العبودية لربه خالق الأنام, و هنا نقف على عبر و عظات, لكل عبد خاضع لحكم سيده, يرجو لقياه عند الممات, و لعل نجوم الليل تتضح , و صدور اليأس تنشرح , و قلوب الغفلة تصطبح فتنتصح
فقوله عليه السلام أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين به وصف حالِ نفسه بالتذلل و الافتقار لربه الرحيم سبحانه, متضمن لوصف ربه بالرحمة على وجه الرجاء و الطلب, فكان واصفا لنفسه بمساس الضر, واصفا لربه بالرحمة طلبا بكشف الضر و ما به من بلاء
و هي صيغة خبر شملت السؤال, و هذا من باب حسن الأدب في الدعاء لتحصيل المنال و طلب العون من العزيز ذي الكمال
قال ابن القيم رحمه الله: جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه ووجود طعم المحبة في المتملق له والإقرار له بصفة الرحمة وإنه أرحم الراحمين والتوسل إليه بصفاته سبحانه وشدة حاجته وهو فقره ومتى وجد المبتلى هذا كشف عنه بلواه وقد جرب أنه من قالها سبع مرات ولا سيما مع هذه المعرفة كشف الله ضره. الفوائد (1/ 201)
قال الزمخشري رحمه الله في كشافه
(ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب)
و زاد شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: ووصف الحاجة و الافتقار هو سؤال بالحال وهو أبلغ من جهة العلم والبيان
و زاد تلميذه البار فقال: ولم يقل فعافني واشفني)
و هذا غاية الأدب و التلطف مع من ترجوه و ترغب في رحمته و غفرانه و كشف ما تعانيه من كرب و بلاء و هنا بيان بديع لكل عاقل فطن, أن الأدب يسبق الطلب و يغلب على الطالب لنيل رضا المطلوب و ما عنده و قد يفعلها أحدهم مع بعض من يقدر على قهره بتنفيد مطلبه و هنا إشارة عظيمة جليلة من شيخ شيوخ الإسلام بحق , قال رحمه الله (وهذه الصيغة صيغة الطلب والاستدعاء إذا كانت لمن يحتاج إليه الطالب أو ممن يقدر على قهر المطلوب منه ونحو ذلك فإنها تقال على وجه الأمر إما لما في ذلك من حاجة الطالب وإما لما فيه من نفع المطلوب فأما إذا كانت من الفقير من كل وجه للغني من كل وجه فإنها سؤال محض بتذلل وافتقار وإظهار الحال) فرحم الله ابن تيمية فقد كان بديع الزمان و البيان
و انظروا رحمكم الله, كيف أدرك هذا الإمام حقيقة مرضية تزيد من حلاوة الإيمان
و تشعرك بأنك ذا عزة و فخر حيث كنت عبدا ذليلا فقيرا خاضعا لربه المنان حيث ترجوه و تدعوه و تعلم أنه الغني صاحب العزة و السلطان
ثم إن قال قائل , فلما هذه الشكوى و أين هو الصبر على البلوى
نقول له, هذه شكوى إليه سبحانه و ليست لغيره من الضعفاء المخلوقين, و هي لا تنافي صبره و جلده عليه السلام على ما أصابه من بلاء , و إلا فقد وصفه ربه جل وعلا فقال: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
قال بعض العلماء: فإن يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل، والنبي إذا وعد لا يخلف أبدا، ثم بعد ذلك قال {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
و هذا دليل على أن الصبر على البلاء , لا ينافي الشكوى إليه سبحانه برفعه ثم هنا أمر آخر وجب التفطن إليه مليا, فقد قال الإمام بن عيينة رحمه الله و كذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا ألم تسمع {قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أجدني مغموما وأجدني مكروبا} وقوله {بل أنا وارأساه}
و الحديث الأول (أجدني مغموما) فيه القاسم بن عبد الله و هو كذاب كما قال الإمام أحمد رحمه الله و الحديث قال بوضعه العلامة الألباني رحمه الله كما في السلسلة الضعيفة 5384
أما الحديث الثاني فهو عند البخاري رحمه الله في صحيحه
¥