[آصرة العجز والافتقار]
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[23 - 02 - 2010, 04:16 م]ـ
تعددت الأواصر في هذا الوجود فثمّ، آصرة الأبوة وهي التي تربط بين الوالد والولد، وآصرة الأخوة التي تربط بين الأخ وأخيه، وآصرة النسب التي تربط بين ذوي الأرحام، وأبناء العشيرة والقبيلة، وآصرة النوع التي تجمع بين أفراد كل نوع من أنواع الكائنات.
وثمّ أواصر فكرية واعتقادية تربط بين مجموعات بشرية مختلفة، كآصرة الدين، وأواصر الأيديولوجيات التي تعج بها الكرة الأرضية.
ولكن الآصرة التي تجمع بين جميع الخلائق في الوجود هي آصرة العجز والافتقار، فالإنسان الذي يأتي في أعلى منزلة بين المخلوقات التي نعرفها عاجز لا يملك أي قوة ذاتية، ومفتقر إلى الله تبارك وتعالى الذي يمسكه من الزوال والفناء، ويعتنى به ويربيه، ويعلمه ويقويه، ويؤتيه من الأسباب ما يقوى به على عمارة هذه الأرض التي استعمره فيها، وكذلك بقية المخلوقات كلها مفتقرة إلى الله تبارك وتعالى للاستمرار في الوجود وعدم الاندثار والتلاشي ..
إن الإحساس بآصرة العجز والافتقار نحو بني البشر وغيرهم من المخلوقات في الوجود مبدأ أساس للعبودية لله عز وجل، وبه يشعر العبد بالتساوي مع كل المخلوقات، فهو عاجز مثلهم مفتقر لمدد الله وقوته وقدرته التي لا حدود لها .. فلا مكان عندئذ لطغيان واستعلاء، وكيف يطغى من يدرك كل الإدراك أن ما به من قوة وجاه وسلطان يمكن أن يزول في طرفة عين، وأن حياته نفسها يمكن أن تخمد وهو في أوج غلوائه وتعاليه، فلا يغني عنه الشعور بالاستعلاء شيئا، ولا يدفع عنه ضرا، ولا يجلب له نفعا إلا أن يشاء الله .. واقرؤوا معي إن شئتم قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
فأعتى الأعتياء وأمرد المردة وأطغى الطغاة يتساوون في الضعف مع الذبابة التي نحسبها في غاية الضعف
فلنستشعر هذه الآصرة بعمق مع كل الخلائق في الوجود لننعم بلذة العبودية الحقيقية لله تبارك وتعالى .. عندئذ تخشع النفس وتذل في محراب الخضوع لله، وتدمع العين من خشية الله، ويلهج اللسان بذكر الله:
اللهم لا إله إلا أنت وكل ما في الوجود عبد لك، ما بنا من قوة فمنك، وما لنا من علم فمنك، وما لنا من جاه فمنك، وما لنا من سلطان فمنك، وما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، أنت الغني ونحن الفقراء، وأنت الحي الباقي ونحن للموت والفناء، فارحمنا يا أرحم الراحمين.
ـ[أبو طارق]ــــــــ[23 - 02 - 2010, 04:30 م]ـ
بورك الطرح أبا محمد
وعودة طيبة اشتقنا إليها
وجميل ما خطت أناملك
ونسأل الله أن يغنينا بفضله عمن سواه
اللهم لا إله إلا أنت وكل ما في الوجود عبد لك، ما بنا من قوة فمنك، وما لنا من علم فمنك، وما لنا من جاه فمنك، وما لنا من سلطان فمنك، وما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، أنت الغني ونحن الفقراء، وأنت الحي الباقي ونحن للموت والفناء، فارحمنا يا أرحم الراحمين.
اللهم آمين
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 02 - 2010, 10:00 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: بهاء الدين عبدالرحمن
جزاك الله خيرا، مقالة رائعة، وطرح قيم، ومعلومات قيمة ومفيدة، جعلها الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، اللهم آمين.
ولو تسمح لنا أيها الدكتور الفاضل بهذه المشاركة المتواضعة في نافذتكم القيمة
قرأت في كتاب " مدارج السالكين " لابن القيم؛ يحكى عن بعض العارفين:
دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل، و الافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه، و أوسعه، و لا مزاحم فيه، و لا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته: فإذا هو سبحانه قد أخد بيدي، و أدخلني.
" مدارج السالكين ".
قال ابن القيم رحمه الله:
سئل محمد بن عبد الله الفرغاني عن الافتقار إلى الله سبحانه، و الاستغناء به، فقال: إذا صح الافتقار إلى الله تعالى صحَّ الاستغناء به، و إذا صح الاستغناء به صحَّ الافتقار إليه، فلا يقال أيهما أكمل: لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر.
قلت: الاستغناء بالله هو عين الفقر إليه، و هما عبارتان عن معنى واحد
لأن كمال الغنى به هو كمال عبوديته.
و حقيقة العبودية: كمال الافتقار إليه من كل وجه، و هذا الافتقار هو عين الغنى به.
قال ابن القيم رحمه الله:
و عبادة الرحمن غاية حبه ** مع ذل عابده هما قطبان
و عليهما فلك العبادة دائر ** ما دار حتى قامت القطبان
نسأل الله تعالى أن يغنينا بالافتقار إليه، اللهم آمين
¥