تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الزخرف والزينة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 08:02 ص]ـ

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "اقتضاء الصراط المستقيم":

"والنفوس خلقت لتعمل، لا لتترك، وإنما الترك مقصود لغيره، فإن لم يشتغل بعمل صالح، وإلا لم يترك العلم السيئ، أو الناقص، لكن لما كان من الأعمال السيئة ما يفسد عليها العمل الصالح، نهيت عنه حفظًا للعمل الصالح.

فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد. ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار، أو نحو ذلك فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد الورق والخط. وليس مقصود أحمد هذا، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كره لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا بفساد لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور: من كتب الأسمار أو الأشعار، أو حكمة فارس والروم". اهـ

وذلك ما نلمح طرفا منه في زماننا لا سيما في احتفال كثير من المسلمين بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو من الحادثات في الديانة فلا أصل له في زمن النبوة أو القرون الفاضلة، ومع كونه مما أحدث في الديانة مضاهاة للنصارى في غلوهم في المسيح عليه السلام، بالاحتفال بذكرى مولده، وإن جانبهم الصواب حتى في تحديد موعده!، فضلا عما فيه من تغليب جانب العاطفة على العقل فيهتم المحتفل بالرسوم الظاهرة دون الحقائق المعتبرة، وذلك، أيضا، حال النصارى في ادعاء محبة المسيح عليه السلام والانتساب إليه، وهم في ضد ما أمر به من التوحيد قد ولغوا، فهم على رسم التثليث المناقض للتوحيد مع ادعائهم إياه في تناقض عجيب، فصارت دعوى المحبة من اسمها: دعوى لا برهان من الفعل عليها، بل الفعل ناقض لها، بالوقوع في عين ما نهى عنه المحبوب وذلك مئنة من البغض لا الحب فإن الموافقة في الفعل مئنة من الحب، وضدها من المخالفة مئنة من البغض، وإن ادعى المخالف بلسانه المحبة، فذلك أمر يحسنه كل أحد، فجريان الدعاوى على الألسنة أمر يسير وإقامة البرهان عليها من الفعل أمر عسير جد عسير. ويظهر ذلك أيضا، وهو القاسم المشترك الأكبر بين كل الغلاة في شتى الملل والنحل: يظهر في الاهتمام بعمارة المساجد والمعابد بصور الزينة والزخرف لا بصور التأله للرب جل وعلا توحيدا وإفرادا بالعبادة فتلك عمارة المساجد الحقة فـ: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)، وإن كانت عمارة مبانيها مرادة من وجه ولكنها الوسيلة لا الغاية فالإفراط في مباشرة الوسيلة مع إهمال الغاية بهجران المساجد تضييع للمال والجهد، وذلك الغالب على كثير من الأمصار التي صارت المساجد فيها كالنصب التذكارية فكبار الساسة والأثرياء يتبارون في تشييد وتجديد المساجد لتصير أعلاما شاهدة على عصورهم الزاهرة وأعمالهم الفاضلة!، وذلك، أيضا، مما سارت فيه الأمة الخاتمة على خطى الأمم السابقة، فالكنائس لمن دخلها أشبه ما تكون بالمتاحف أو معارض الرسوم جدارية كانت أو معلقة، وذلك أمر شاهده المهاجرون إلى الحبشة، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها، فذكرت من حسن تصاويرها ما ذكرت، فجاء البيان الوافي من مشكاة النبوات التي سدت الذريعة إلى الغلو في البشر ولو كانوا أنبياء معصومين فـ: "أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا تِيكِ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، ويظهر، أيضا، في زخرفة المصاحف كما تقدم في فتوى أحمد رحمه الله، فتكتب بماء الذهب، ويتفنن أصحابها في إقامة حروفها كتابة ونطقا، وذلك، أيضا، من الوسيلة التي لا تراد لذاتها، فالانشغال بها عن المقصود الأعظم: إقامة الحدود لا الحروف، مما ضاهت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير