الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) (القصص:20). فأجاب سديد الملك بقوله تعالى: (إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها) (المائدة:24) فكانت هذه معدودة من تيقظه وفهمه؛ وهكذا ساق هذه الحكاية أسامة في مجموعه إلى الرشيد بن الزبير في ترجمة ابن النحاس.
وفيات الأعيان لابن خلكان وثمرات الأوراق في المحاضرات لابن حجة الحموي وذيل مرآة الزمان لليونيني والمثل السائر لابن الأثير
يقول ابن الأثير: وهذا من أعجب ما بلغني من حدة الذهن وفطانة الخاطر، ولولا أنه صاحب الحادثة المخوفة لما تفطن إلى مثل ذلك أبدا، لأنه ضرب من علم الغيب، وإنما الخوف دله على استنباط ما استنبطه
وفي رواية ابن الأثير أن من فطن إلى ما في الكتاب من تشديد النون هو ابنٌ لسديد الملك ولم يذكر شيئا عن ابن عمار وخواص سديد الملك ولم يذكر رد سديد الملك على ابن النحاس.
"ومن التلميحات الخفية ما يحكى عن رجل من المناقذة أصحاب حصن شيرز، وهو أولهم الذي استنقذهم، وكان قبل ملكه إياه في خدمة محمود بن صالح صاحب حلب، وكان إذ ذاك يلقب سديد الملك، فبينا هو في مكانه إذ حدثت له حادثة أوجبت أن هرب، ومضى إلى مدينة طرابلس في زمن بني عماد أصحاب البلد، فأرسل إليه ابن صالح، واستعطفه ليعود إليه، فخافه، ولم يعد، فأحضر ابن صالح رجلاً من أهل البلد صديقاً لابن منقذ وبينهما لحمة مودة أكيدة، فأجلسه بين يديه، وأمره أن يكتب إليه كتاباً عن نفسه يوثقه من جهة ابن صالح، ليعود، فما وسعه إلا أن يكتب، وهو يعلم أن باطن الأمر خلاف ظاهره، وأنه متى عاد ابن منقذ إلى حلب، هلك، ففكر وهو يكتب الكتاب في إشارة عمياء لا تفهم، ليضعها فيه، يحذر بها ابن منقذ، فأدار فكره إلى أن كتب في آخر الكتاب عند انتهائه، إنّ شاء الله تعالي، وشدد إن وكسرها، وضبطها، ليعلم منه الفطن الذكي أنه ليس عن سهو، ثم سلم الكتاب إلى ابن صالح، فوقف عليه، وأرسله إلى ابن منقذ، فلما صار في يده، وعلم ما فيه، قال: هذا كتاب صديقي، وما يغشني، ولولا أنه علم صفاء قلب ابن صالح ما كتب إلىّ، ولا غرني، ثم عزم على العود، وكان عنده ولده، فأخذ الكتاب، وكرر نظره فيه، ثم قال: مكانك، فإن صديقك قد حذرك، وقال: لا تعد، فقال: وكيف ذاك؟ قال: إنه كتب إنّ شاء الله تعالى في آخر الكتاب، وشدد إن، وكسرها وضبطها ضبطاً صحيحاً لا يصدر مثله عن سهو، ومعنى ذلك أنه يقول: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، وإن شككت في ذلك فأرسل إلى صديقك فاسأله، فأرسل إليه، وسأله، فقال: هو ما قال ولدك، فأقام، ولم يعد إلى حلب.
وهذه الحكاية ينسبها من لا اطلاع له على الأخبار إلى أبي الطيب المتنبي*، ويقول: إنه أرسل إلى صاحب حلب كتاباً يقول فيه: إنه يعود إليه، وكتب في آخره إن شاء الله تعالى، وشدد إن وزاد نونها ألفاً صغيرة، فلما ورد الكتاب، وسمع به صديقه، توهم أنه ما فهم إشارته، فساءه ذلك، ثم تأمل الكتاب، فرأى في آخره إنا شاء الله تعالى بزيادة ألف في نونها، فعلم أنه فهم، وأنه يقول: إنا لن ندخلها، وهذه موضوعة."
الصبح المنبي عن حيثية المتنبي ليوسف البديعي
* وقع في هذا داود الأنطاكي في تزين الأسواق في أخبار العشاق ونسب هذا الخبرأيضا للمتنبي النواجي كما أورد ذلك لويس شيخو في مجاني الأدب في حدائق العرب
"ومن ذلك ما حكي أن القاضي الفاضل كان صديق خصيص به، وكان صديقه هذا قريباً من الملك الناصر صلاح الدين، وكان فيه فضيلة تامة، فوقع بينه وبين الملك أمر، فغضب عليه، وهم بقتله، فتسحب إلى بلاد التتر، وتوصل إلى أن صار وزيراً عندهم، وصار يعرف التتر كيف يتوصل إلى الملك الناصر بما يؤذيه، فلما بلغه ذلك نفر منه وقال للفاضل: اكتب إليه كتاباً عرفه فيه أنني أرضى عليه، واستعطفه غاية الاستعطاف إلى أن يحضر، فإذا حضر قتلته، واسترحت منه، فتحير الفاضل بين الاثنين، صديقه يعز عليه، والملك لا يمكنه مخالفته، فكتب إليه كتاباً واستعطفه غاية الاستعطاف، ووعده بكل خير من الملك، فلما انتهى الكتاب ختمه بالحمد لله والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكتب إنّ شاء الله تعالى كما جرت به العادة في الكتب، فشدد إن ثم أوقف الملك على الكتاب قبل ختمه، فقرأه في غاية الكمال وما فهم إن، وكان قصد الفاضل (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك)، فلما وصل الكتاب إلى الرجل فهمه، وكتب جوابه بأنه سيحضر عاجلاً، فلما أراد أن ينهي الكتاب، ويكتب إن شاء تعالى مد النون وجعل في آخرها ألفاً وأراد بذلك (إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها)، فلما وصل الكتاب الى الفاضل فهم الإشارة، ثم أوقف الملك على الجواب بخطه، ففرح بذلك.
المستطرف في كل فن مستظرف
"عبد الله بن سعيد بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي
كان أميرا وشاعرا كبيرا ولاه محمود بن صالح صاحب قلعة عزاز فاستبد بها وكانت ولايته بواسطة أبي نصر محمد بن النحاس، فأمره أن يكتب إليه يؤنسه ويستجلبه إلى حلب، فكتب وكتب في آخر كتابه إنّ شاء الله وشدد نون إن، فلما قرأ الخفاجي ذلك التفت إلى تشديد النون ففهم مغزى القول، وكتب الجواب، وكتب أوله أنّا الخادم وشدد نون أنا، فعرف أبو نصر ذلك وأسره، وكان قصد أبي نصر: ((أن الملأ يأتمرون بقتلك)) وقصد الخفاجي: ((إنا لن ندخلها))
الطليعة في أشعار الشيعة لمحمد السماوي وكذا أيضا في الوافي بالوفيات للصفدي وفوات الوفيات لابن شاكر
ومن اللطيف أن ابن العديم في (زبدة الحلب في تاريخ حلب) ذكر هذه القصة مع ابن منقذ وكان الكاتب أبا نصر ابن النحاس والوالي محمود بن صالح ثم ذكرها بعد أسطر مع الخفاجي وكان الكاتب هوابن النحاس أيضا والوالي هو نفسه محمود بن صالح.
يبدو أن القصة فيها إنَّ:)
¥