تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيه هذه الأمة، الأمم السابقة أيضا!، كما في حديث زِيَادِ بن لَبِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ ونُعَلِّمُهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وأَرِقَّاءَنَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَحْسَبُكَ يَا زِيَادُ لَمِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ أُنْزِلَتْ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَا نَفَعَهُمْ إِذْ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ؟

فما تنفع التلاوة إن لم تشفع بالعمل، وإن كانت تلاوة الكتاب العزيز من العمل الذي يثاب فاعله، فهو مراد لذاته من هذا الوجه، ولكن المراد الأعظم هو العمل به فتقام حروفه وحدوده معا، فلا تكفي إقامة أحدهما دون الآخر.

ومن فتاوى الشبكة الإسلامية:

"وزخرفة المساجد والإسراف في بنائها من علامات الساعة، فقد روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد".

وقال البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد: "قال أنس: يتباهون، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، فالتباهي بها: العناية بزخرفتها. قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى".

وقد جاء وعيد شديد على هذه الزخرفة، وهو فيما رواه الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "إذا زوقتكم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم". قال الألباني في صحيح الجامع: إسناده حسن ............ ولنا أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أصحابه، فقد عمروا المساجد بالطاعة والعبادة، معرضين عن الزينة والزخرف.

قال عمر رضي الله عنه عند تجديد المسجد النبوي: "أكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر، فتفتن الناس". رواه البخاري

قال المناوي في فيض القدير: "فزخرفة المساجد، وتحلية المصاحف منهي عنها، لأن ذلك يشغل القلب، ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى. والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد، ولو الكعبة، بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وبغيرهما مكروه. انتهى". اهـ

فالقاسم المشترك الأكبر بين كل تلك الصور: الوقوف على الصور الظاهرة دون الحقائق الباطنة، فدعاوى عريضة، وأفعال تنقضها نقضا.

فمع كل ذلك، فهو من الإحداث في الدين، إلا أن له وجه مصلحة في حق بعض المكلفين، ممن قصرت هممهم عن نيل معالي الأمور فصار التلهي بهذه الأمور خيرا لهم من إنفاق المال والجهد في المحرم، فالاحتفال بذكرى المولد بدعة في الديانة فهي على رسم الضلالة بنص صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا أنها خير من إنفاق المال والوقت في المعصية، فإذا ارتضى المكلف أن ينزل إلى رتبة الأطفال! فيتلهى بالأدنى مفسدة عن الأعظم مفسدة، إذا ارتضى لنفسه ذلك، فمباشرته تلك الأفعال، ولا تخلو من تعظيم للديانة، ففيها نوع حق، وإن غلب عليها الباطل، فالبدعة لا بد أن تشتمل على نوع حق وإن كان خفيا مغمورا في الباطل، مباشرته لها ارتكاب لأخف الضررين وأدنى المفسدتين، فيشغل بالمفسدة الصغرى عن الكبرى، وذلك بداهة استثناء لا يقاس عليه، وإن عمت البلوى بتلك الأفعال، فليس ذلك تقريرا لمشروعيتها، فهي غير مشروعة بإجماع الأمة المعتبر، ولا عبرة بخلاف أهل زماننا، فقد خالفوا في أمور أعظم من ذلك!، وإنما صير إليه، كما تقدم سدا لذريعة مفسدة أعظم فإنفاق المال فيما يظن المنفق أنه تعظيم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو تعظيم للديانة بالمبالغة في زخرفة المساجد أو المصاحف خير من إنفاقه في المعاصي والآثام، ولكن هل يصلح ذلك متعلقا للهمم العالية التي يبغي أصحابها الترقي في مراتب الديانة، أو أنه من جنس الإشغال لهمة طفل بصرفه بلعب أو نحوه عن الإفساد والتخريب؟!.

تذكرت ذلك عند سماعي خبرا نقلته فضائية الجزيرة عن: مصحف احتلفت إحدى الدول العربية بإخراجه على نحو فيه من التكلف ما فيه، فغاية ذلك، كما تقدم، أن ينزل منزلة شغل الأطفال بفضول المباحات عن افتراف المحرمات، وتلك همة من جنس همة زخرفة المساجد والاحتفال بالمولد النبوي ففيها من الطفولية ما فيها، فهو لا يتعدى، كما تقدم، كونه من باب: درء المفسدة العظمى بإنفاق الأموال في المحرمات بالمفسدة الصغرى بإنفاقها في المباحات أو المكروهات على وزان قول طرفة: وبعض الشر أهون من بعض.

وصرف هذه الأموال في إغاثة وإعانة أصحاب البلاء الخاص بمرض أو نحوه، أو العام بحصار أو احتلال أو نحوهما أولى وأبقى لفاعله، والمال بلا علم يرشد صاحبه إلى أوجه الإنفاق المشروعة: مظنة صرفه في غير المشروع أو في غير الفاضل فينفق في الفروع ولما تكتمل الأصول.

والتباري في هذا الشأن، كما تقدم، قد أصبح موضة، حتى صارت المصاحف تنسب إلى الدول، فهذا مصحف كذا، وهذا مصحف كذا، وربما بلغ الأمر حد نسبتها إلى الأفراد، وذلك، كما تقدم لا يخلو من نوع مصلحة، ولكنه وقوف عند الرسوم دون الحقائق في أغلب الأحيان، بل الإسراف، والمبالغة في ذلك مئنة أكيدة من الانصراف عن المراد الأسمى في هذا الباب، وحال الناس شاهد بذلك فإنه كلما انصرفت النفوس إلى تحصيل الزينة والزخرف في العبادات، قل الخشوع، كمن يبالغ في الاهتمام بصوت القارئ فينشغل به عن المقروء، ومن يبالغ في زخرفة المساجد والمصاحف ولسان حاله بهجرانها وجفائها شاهد عليه، وعلى العكس: كلما اقتصدت في الزينة عظم العلم والعمل وحصل من الانتفاع بحقائق الدين ما حصل، وحال الصدر الأول خير شاهد على ذلك، فهم أقل الناس تكلفا، وأغزرهم علما وأعظمهم عملا.

والأمر في زماننا لا يعدو كونه، والله اعلم بالنوايا، من تمام أبهة الملك!، فلكل مملكة أو إمارة: نشيد وعلم وجيش ........ إلخ، واخيرا: ومصحف!.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير