[جزمتك عمي ..]
ـ[الحقنه]ــــــــ[14 - 06 - 2003, 11:57 ص]ـ
في مملكة البحرين أوال سابقاً .. وداخل فندق البحرين انترنيشونال ..
يوجد ممر على شكل سوق صغير .. وفيه محلات تبيع حاجيات مختلفة ..
وبها _ بار _ يأتي إليه كبار العربيدة والسكيرة .. تسمع فيه من يقول: القصائد ..
البعض يناقش أمورا لا تناقش .. واحد يغني واثنان يتهاوشون .. وواحد ساكت ما تدري وش ورآه ..
المهم كنا هناك مع موعد غير منتظر .. ولقاء غير مرتقب أو متوقع ..
وأثناء الهرج والمرج والضحك والغناء .. دخل شايب بحريني نحيل الجسم طويل القامة .. عمره حوالي الثمانين سنة أو يزيد ..
لابس ثوب ابيض وغترة بيضاء ومشخص .. شخصية أهل البحرين التراثية القديمة ..
وقف أمام البار بكل صمت وشموخ .. ثم جلس على احد المقاعد الجانبية ..
يخيم على الانعزالية والصمت المريع والأنطوائية .. وحط رجل على رجل وينظر للأرض ..
كأنه أبو الهول في خشوعه السرمدي .. وإذا بشاب بالثلاثين من العمر يأتي إليه ..
ويقول: له وش جابك هنا قم يلله فارق انقلع .. الشايب ينظر إلى الأرض بلا حراك ولا كلام ..
وقام: الشاب بحمق وزهق و طفش وقال: خذ البيرة واشربها وانقلع من هذا المكان ..
وأنا وصديق عبد الله ننظر إلى الأحداث بدهشة وغرابة .. وما هي إلا لحظات ثم تناول الشايب البيرة ..
واطرق برأسه من جديد إلى الأرض .. عبد الله صمم يدخل عالم هذا الشايب .. فبادره بالسلام وقال: يا عم كيف حالك أنت ..
بعد فترة رفع رأسه كأنه يستفسر هل الكلام موجه إليه .. ونظر إلى صديقي وبعيونه حزن وهم طويل كبير ..
وبتسم ابتسامة خفيفة ولكنها جميلة خاصة انه لا يوجد له ضرس ولا سن .. وقال: أنت عمي مو أنا عمك ..
تفشل عبد الله وقال: وش دعوى يا عم .. هز رأسه الشايب باستغراب وقال: لا أنت عمى جزمتك عمى ..
تدخلت أنا لتلطيف الجو وقلت: الشاب اللي تو ورآه عليك يا حجى .. سكت لفترة يبدو انه يحظر لرد حاسم ..
قال: أنا أبو مريم أخر عمري أنطرد من واحد كلب حقير .. هذى الديرة ملعونة والله ملعونة والله قهر ..
أنا كنت إذا جيت مكان اسمع الترحيب قبل أوصل .. إذا دشيت السيف على البحر وقف الغواويص منى خايفين ..
كم حارة وحارة تعرفني كم دانة ودانة تهتز لي .. وهو يتكلم تشوف في عيونه صبر البحر وحكمته وقوته ..
في صوته الرخيم الأجش تسمع مواويل النواخذ والقوارب البحرية .. في لون وجهه الأسمر تلمس رجل الخليج اللي صارع البحر ..
من اجل لقمة العيش واللؤلؤ والمحار والصيد .. هذا الكهل العظيم المتماسك كلماته الحزينة ترمى ..
عبارات قوية كالحمم البركانية تقذف بكل صدق وانين .. وجلس بمكانه يحدوه الصمت والأسى والصمود ..
وسكتنا أنا و أبو عابد منحرجين تائهين .. ثم رفع رأسه وقال: بعد وقت طويل وندم ..
أنا ما عندي شهادة ولا لي أولاد ولا جماعة وشايب كبير .. ولأجل أعيش لازم أقول: للواحد يا عمي ..
عرفت ليه يا عمى وذهب وانسحب بلا وداع أو سلام .. وانسل بكل سهولة ومضى في طريقة الغير معروف ..
قال: عبد الله ما علينا الدنيا هذى أسرار والغاز أمسكين الله معه ..
ورجعت وشبح وصورة هذا الشايب في ذاكرتي .. كما أنها ستكون في ذاكرت التاريخ الإسلامي العربي الخليجي البحريني ..