تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هم رجال ونحن رجال]

ـ[ابومحمد آل حليم]ــــــــ[19 - 09 - 2003, 10:52 م]ـ

نعم .. هم رجال ونحن رجال ولكن من نحن ومن هم؟

بتاريخ: (09/ 09/2003 16:31) - شاهده (44)

هذه الكلمة مأثورة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله. قال أبو محمد بنُ حزم: «هذا أبو حنيفة يقول: ما جاءَ عن اللهِ ـ تعالى ـ فعلى الرأسِ والعينين، وما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسمعاً وطاعةً، وما جاءَ عن الصحابةِ ـ رضي الله عنهم ـ تخيَّرنا من أقوالهم، ولم نخرجْ عنهم، وما جاءَ عن التابعين فهُمْ رجالٌ ونحنُ رجالٌ»، إذنْ قائلُ هذه الكلمة السائرة الإمامُ المشهورُ: أبو حنيفةَ النعمانُ ابنُ ثابت فقيهُ العِراق الذي رأى أنس بنَ مَالك، وسمع عطاء بن أبي رباح، ونافعاً مولى ابن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم، وقد وُلد سنة ثمانين، وماتَ سنة خمسين ومائة على الصحيح، وعُرِفَ أنَّ المقصود بقوله: «هم رجال» أقرانه ونظراؤه من التابعين.

إذا تبين مَا تقدم عُلِمَ أنَّ هذه الكلمة ابتُذِلتْ عندَ كثيرٍ مِنْ الناس في هذا الزمان ـ خاصةً المتعالمين منهم ممن يسمون مفكرين، وكذلك من الناشئة في طلب العلم، فلم يراعوا مكانة القائل، ولا قدر من قيلت فيه هذه الكلمة. نعم إذا قال: «هم رجال، ونحن رجال» من كان في منزلة أبي حنيفة في نظرائه من أهل العلم فحُقَّ له ذلك؛ لأنَّ قول بعضهم ليس حجةً على بعض. إنَّ هذه الكلمة أصبحتْ مطية يركبُها مَنْ يريدُ أنْ يردَّ أقوالَ الأئمة المتقدمين، والسلفِ الصادقين بلا حُجةٍ ولا بُرهان، ومَنْ يريدُ أن يمرر آراءه الشاذة، وأقوالَه الضعيفة، واختياراتِه الغريبة، ومَنْ يريدُ أنْ يُظهِر نفسهُ على حساب أئمة العلم والدين. نعم «هُمْ رجالٌ ونحنُ رجال» في أصلِ الخِلْقةِ والصفاتِ المشتركة من سمعٍ وبصرٍ وجوارح، ولكنَّ الله حباهم ـ بفضله ومنته وحكمته ـ غزارةً في العلم، وإخلاصاً في العمل، وصِدْقاً في الدعوة، وصبراً عِند الأذى والبلاء. قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: «ومَنْ آتاه اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ السلفِ لا في العلم ولا في العمل». ما أجمل وأبلغ هذه العبارة من هذا الإمام الخبير! قال الخطيبُ البغداديُّ ـ لمّا ذَكَرَ الأئمةَ المتقدمين وما وَقَعَ مِنْ بعضهم من وَهْم في الجمعِ والتفريق بين الرواة ـ: «ولعل بعض مَنْ ينظرُ فيما سطرناه، ويقفُ على ما لكتابنا هذا ضمَّنَّاه، يلحقُ سيئ الظن بنا، ويرى أنّا عَمَدْنا للطعنِ على من تقدّمنا، وإظهار العيب لكبراءِ شيوخنا وعلماءِ سلفنا، وأنّى يكونُ ذلكَ وبهم ذكرنا، وبشعاعِ ضيائهم تبصرنَا، وباقتفائنا واضحَ رسومِهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهَمَجِ تحيزنا؟ وما مثلُهم ومثلُنا إلا ما ذكر أبو عَمْرو بنُ العلاء فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال: أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عُمر بن محمد بن أبي هاشم قال: حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرّياشي عن الأصمعي قال: قالَ أبو عَمرو: مَا نَحْنُ فيمن مَضَى إلاّ كبَقْلٍ في أُصولِ نَخْلٍ طُوالٍ»، وأبو عَمْرو بنُ العلاء هو: المازني البصريّ شيخ القرّاء والعربية، وأحدُ القرّاء السّبعة، مات سنة أربع وخمسين ومائة، فإذا كان أبو عمرو يقول هذا وهو متقدم الوفاة، فماذا ترانا نقول ونحن نعيش في القرن الخامس عشر من الهجرة وما فيه من كثرة الشبهات، ووفرة الشهوات؟ رحماكَ ربِّ! قال الشاطبيُّ ـ لمّا ذَكَر طريقينِ لأخذِ العلم عن أهلهِ ـ: الأوَّل: المشافهة، والثاني: مطالعة كتب المصنفين. قال: وهو نافع في بابه بشرطين ثم ذكر الشرط الأوَّل، ثم قال ـ: «الشرطُ الثاني: أنْ يتحرى كتبَ المتقدّمين مِنْ أهلِ العلم المراد؛ فإنهم أقعدُ بهِ منْ غيرهِم من المتأخرين، وأصلُ ذلكَ التجربةُ والخَبَرُ: أمَّا التجربةُ فهو أمرٌ مشاهَد في أيّ علمٍ كان؛ فالمتأخرُ لا يبلغُ مِنْ الرسوخِ في علمٍ ما بلغه المتقدمُ، وحسبكَ منْ ذلكَ أهلُ كلّ علمٍ عمليّ أو نظريّ؛ فأعمالُ المتقدمين ـ في إصلاحِ دنياهم ودينهم ـ على خلافِ أعمالِ المتأخرين؛ وعلومُهم في التحقيقِ أقعدُ، فتحققُ الصحابةِ بعلوم الشريعة ليسَ كتحققِ التابعين؛ والتابعونَ ليسوا كتابعيهم؛ وهكذا إلى الآن، ومَنْ طالعَ سيرهَم وأقوالَهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير