[د. عبد الله الطيب .. وترجل فارس من فرسان العربية]
ـ[أبو عيسى]ــــــــ[13 - 09 - 2003, 01:21 م]ـ
عبد الحي شاهين
11/ 7/1424
08/ 09/2003
غيب الموت الشهر قبل الماضي الأديب واللغوي السوداني الكبير الدكتور عبد الله الطيب الذي أسهم خلال سنوات الستينات والسبعينات الميلادية في إثراء المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات الثمينة والتي تعد مراجع للباحثين والمنقبيين في التراث الشعري العربي.
وبموت عبد الله الطيب فقدت الساحة الأدبية والعالم العربي أديباً من جيل المخضرمين والموسوعيين في الثقافة الإسلامية والعربية، وستظل آثاره وتحقيقاته العلمية محط اهتمام الدارسين لزمن طويل؛ لأصالة هذه البحوث وجديتها، فالدكتور عبدالله الطيب عندما أكمل مؤلفه الأول (المرشد إلى فهم أشعار العرب) يقول أحد مجاليه: إن الدكتور طه حسين تلقاه بإعجاب وتقدير شديدين. وقال: إنه من أهم المؤلفات في القرن العشرين.
كما أن كتابه (مع أبي الطيب) مثّل أحد إسهامات البروفيسور المرموقة، فقد كان في حينه رؤية نقدية جديدة في شعر وشخصية الشاعر الذي (ملأ الدنيا وشغل الناس) أبي الطيب المتنبيء، ويشتمل الكتاب على مقدمة وخمسة فصول، ويقوم على أسلوب مبتكر في النقد يميزه ما بين أسلوب القدامى المحدثين، ويستخدم إلى حد كبير الطريقة السيكولوجية.
و جاء البروفيسور الطيب في سِفره القيم بقاعدة تصلح للتعامل النقدي العام مع الشعر حيث قال: (والصفاء الموسيقي والتجويد والأحكام كل ذلك لا يرتفع بالشعر كما ترتفع به الحيوية)، ويشرح ما يقصده بالحيوية قائلا: (ومرادنا بالحيوية عنصر الشعر المنبيء فيه عن صدق التجربة وعمق الانفعال معا).
وقد أشتمل السِفر المذكور على مقارنات شعرية، مثل مقارنته بين أشعار أبي الطيب وأبي تمام، وقد شفع الكاتب سفره بالحواشي حتى لا يترك مجالا للإبهام.
كما عرف عبدالله الطيب بقراءاته المتعمقة في الثقافة الغربية وبنقده الرصين والأصيل وترجماته للقصائد الجياد من الشعر الإنجليزي، وله عدة بحوث في النقد أشهرها بحثه في سرقات " ت. س. اليوت " ذلكم الشاعر الذي مثل علامة فارقة بين الشعر القديم والحديث، فضلا عن أنه ترك أثرا لا تخطئه العين في اتجاهات وصور وأخيلة وبنية القصيدة العربية الحديثة.
ولد الدكتور عبدالله الطيب في يونيو (1921) في مدينة نائية في شمال السودان تسمى (الدامر) وبها أسرة عبد الله الطيب (المجاذيب) وهي أسرة أشتهر عنها اعتمادها اللغة العربية الفصحى في أحاديثها اليومية، حتى من أبنائها الذين لم يدخلوا المدارس، كما أن حفظ القرآن ومدارسته من تقاليد الأسرة التي تشبثت بها ولم تتخلى عنها حتى اليوم , وكثير من أبناء هذه القرية - وعبد الله الطيب منهم - قد حفظوا القرآن في سن مبكرة جداً قد تسبق عن البعض دخولهم للمدرسة , ولما أكمل عبد الله الطيب دراسته الأولية في كتّاب المدينة والمرحلة الابتدائية ارتحل إلى مدارس الخرطوم العليا، ومنها إلى معهد " بخت الرضا" لإعداد المعلمين قبل أن ينتدب من حكومة السودان للحصول على درجة البكالوريوس من كلية التربية من جامعة لندن.
وفي بريطانيا انكّب عبد الله الطيب على كتب الأدب باحثاً ومنقباً، وتفتحت مداركه وذاعت أخبار نبوغه بين أساتذته حتى إن إدارة الجامعة اختارته لإعداد درجة الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي على نفقتها. وحين أعد عبد الله الطيب أطروحة الماجستير رأى مشرف البحث أن مستواها أكبر من الماجستير فتم تسجيل البحث لدرجة الدكتوراه مباشرة، وفي هذه الفترة تعرف الدكتور عبد الله الطيب بزوجته الإنجليزية (جريز ليدا) والتي أسلمت على يديه فيما بعد.
عمل الطيب بعد تخرجه لسنتين في جامعة لندن، ووجد فرصاً أخرى للتدريس في الجامعات البريطانية والأمريكية، لكنه آثر أن يعود إلى موطنه ليبدأ هناك مرحلة جديدة في مشروعه الفكري والأدبي في جامعة الخرطوم. التي كان يدرس فيها انذاك الأديب الكبير إحسان عباس , وتدرج الطيب في الجامعة حتى صار عميداً لكلية الآداب ثم مديرا لجامعة الخرطوم، ولم يقتصر نشاط عبد الله الطيب في الجامعات السودانية فقط إنما تعدى ذلك , إذ استطاع أن يؤسس في عام 1964م كلية " عبد الله باييرو " (كلية الأدب العربي والدراسات الإسلامية) بجامعة أحمد بيلو، وهي من أولى
¥