[قيمة الإنسان، وفضل العلم، والأمانة الأدبية]
ـ[أبو سارة]ــــــــ[02 - 08 - 2003, 10:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يختلف اثنان أن قيمة الإنسان تكمن في معدنه، ولكن الاختلاف يبرز في تقييم ذلك المعدن،فربما يكون مذموما عند أناس وفي نفس الوقت يعتبره صنف آخر مستحق للمدح والإعجاب،ومن هنا يتبين أن بداية الاختلاف إنما ترتكز على آراء من سيحكم بالدرجة الأولى،ولاشك أن كل عاقل يسعى لبلوغ أقصى درجات الكمال من العلم والمعرفة حسب إمكانياته من خلال الآلات الموصلة إلى تلك الدرجة من الكمال0
وفي الأمثال قالوا: لاتنظر الى من قال بل انظر الى ما قال، ويرادفه مثليا قولهم: الحق لا يُعرف بالرجال بل اعرف الحق تعرف من هم الرجال، أي أن الحق متبوع لا تابع!
وكم يتمنى أصحاب الأموال والثروات لو كان العلم يوَرّث ليرثه أبناءهم، ولكن هيهات فليس ذلك بالأمر اليسير، فهذه من حكم الله الجلية في خلقه، قال تعالى (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) 0
ولاشك إن الإنسان يستثمر قوة عقله وفكره آخذا هذا الاستثمار مما وهبه الله من آيات كونية نلمس أثرها ونستنطق صمت عظمتها من خلال مشاهداتنا لبدائع الله فيما حولنا من مخلوقاته بشتى أنواعها، وهي دلائل راسخة تشير إلى قدرته وجلال خلقه سبحانه وتعالى0
وليس من السهل لنا تحديد نطاق الحكم على العقل وحصره في مساحة أو قالب تعريفي ثابت، لأنه خارج منطقة الرصد من جهة،وقابل للزيادة والنقصان من جهة أخرى، وذلك لاحتوائه على قدر كبير من المرونة والنسبية المطاطية، تماما مثلما عجز الأدباء عن تعريف جامع مانع لمعنى الأدب؟؟؟ رغم غرامهم بالأدب جملة وتفصيلا ورغم طول سبرهم له والعلم بدقائقه 0
و الإنسان مزيج من الصفات الحميدة والمذمومة وان شئت قل غير الحميدة، إلا لمن ملك العصمة وعلمنا اتصافه بها!
وقوة الإنسان الحقيقية ليست في جسده وقواه العضلية أو ماله ومكانته الاجتماعية كما يتصور الجهلاء، بل في صلابة الموقف ومدى الصبر والثبات على الحق، ولا يثبت على الحق إلا من استنار بنور العلم والحكمة، ولا يستنير بنور الحكمة والعلم، إلا من ثنى الركب عند العلماء وعاند نفسه بعدم الركون إلى الدعة ونهض بها إلى طرق المعالي،والعقول أوعية يملؤها أصحابها بما يغترفون من العلم والمعارف، وكل إناء بما فيه ينضح 0
وهذا نص فريد للمقدسي في كتابه (منهاج القاصدين) في واجبات المتعلم، أنقلُهُ بفصه ونصه لما فيه من الفوائد حيث قال:
(على المتعلم أن يلقى زمامه إلي المعلم إلقاء المريض زمامه إلي الطبيب، فيتواضع له، ويبالغ فى خدمته.
وقد كان ابن عباس رضى الله عنه يأخذ بركاب زيد بن ثابت رضى الله عنه ويقول: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء. ومتى تكبر المتعلم أن يستفيد من غير موصوف بالتقدم فهو جاهل، لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، وليدع رأيه لرأى معلمه فان خطأ المعلم أنفع للمتعلم من صواب نفسه.
قال على رضى الله عنه: إن من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة، وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشير عنده بيدك، ولا تغمزن بعينك، ولا تكثر عليه السؤال، ولا تعينه فى الجواب، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تراجعه إذا امتنع، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشى له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وان زل قبلت معذرته، ولا تقولن له: سمعت فلانا يقول كذا، ولا أن فلاناً يقول خلافك. ولا تصفن عنده عالماً، ولا تعرض من طول صحبته، ولا ترفع نفسك عن خدمته، وإذا عرضت له حاجة سبقت القوم إليها، فإنما هو بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شئ.
وينبغى أن يحترز الخائض فى العلم فى مبدأ الأمر من الإصغاء إلى اختلاف الناس، فإن ذلك يحير عقله ويفتر ذهنه.
وينبغى له أن يأخذ من كل شئ أحسنه. لأن العمر لا يتسع لجميع العلوم، ثم يصرف جُمَام قوته إلى أشرف العلوم، وهو العلم المتعلق بالآخرة، الذى به يكتسب اليقين الذى حصله أبو بكر الصديق رضى الله عنه، حتى شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر فى صدره") أنتهى0
وهنا أمر مهم له صلة بهذا الموضوع، وهو الأمانة الأدبية 0
¥