تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلم والتحقيق، ونشر مثل هذه الكلمات: «هم رجال ونحن رجال»، و «وكم ترك الأوَّل للآخر»، «والمتأخر جمع ما عند الأولين من العلم فهو أوسع علماً» ونحو ذلك من الكلمات الواسعة والتي قد تفهم خطأ كما تقدم. - إنّ ما تقدم ليس دعوةً للتقليد؛ فإنّ التقليد ـ وهو: قبول قول الغير من غير معرفة دليله ـ لا يجوز لمن تحققت أهليته واتسع وقتُه، بل هي دعوة للاتباع الصادق، وإنزال الناس منازلهم، «فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته ولا يرفع متَّضع القدر في العلم فوق منزلته ويعطي كل ذي حق فيه حقه وينزل منزلته، وقد ذكر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم مع ما نطق به القرآن من قول الله ـ تعالى ـ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]. كما قال اللإمام مسلم في مقدمة صحيحه. ووضع الأمور في مواضعها، والعدل في القول والعمل، ومعرفة أنّ لسلفنا الصالح منهجاً فريداً متكاملاً في العلم والعمل، نابعاً من الكتاب والسنة، وما عليه الصحابة الكرام، فكانوا بحق هم أجدر من يقتدى بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام. وفي الصحيحين من حديث عَبيدة السلمانيّ عن عبدِ الله بن مسعود قال: «سئل النبي أي الناس خير؟ قال: قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته». والأمر كما قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: «ومَنْ آتاه اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ السلفِ لا في العلم ولا في العمل». - وثمتَ أمر آخر تنطوي عليه كلمة «هُمْ رجالٌ ونحنُ رجال» وهو تزكية النفس، وقد دلَّ الكتاب والسنة على المنع من ذلك. قال ـ تعالى ـ: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]، وقال ـ سبحانه ـ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النساء: 49]، وروى مسلم في صحيحه من حديث يزيدَ بنِ أبي حَبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمّيتُ ابنتي برَّةَ، فقالتْ لي زينبُ بنتُ أبي سلمة: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ برَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البرِّ منكم، فقالوا: بم نسمّيها؟ قال: «سموها زينب». فطالبُ العلمِ الصادقِ لا يزكي نفسَه تصريحاً أو تلميحاً. قال ابنُ رَجب: «وأمَّا مَنْ علمه غيرُ نافعٍ فليس له شغل سوى التكبر بعلمه على الناس، وإظهار فضل علمه عليهم ونسبتهم إلى الجهل، وتنقُّصهم ليرتفع بذلك عليهم؛ وهذا من أقبح الخصال وأردئها، وربما نسب من كان قبله من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو، فيوجب له حب نفسه وحب ظهورها، وإحسان ظنه بها وإساءة ظنه بمن سلف، وأهل العلم النافع على ضد هذا يسيئون الظن بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها، ... وكان ابن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد» (12) - ثم لماذا لا تفهم كلمة «هم رجال ونحن رجال» فهماً آخر سليماً يناسب حالنا وزماننا فيقال: «هم رجال» صَدَقوا في الطلب والعلم والعمل والدعوة، وصَبَروا على ذلك، فأصبحوا رجالاً بكل معاني الرجولة، و «نحنُ رجالٌ» بمعنى: عندنا من المؤهلات والصفات ما يجعلنا نقتدي ونستفيد منهم، وأن نخدم الدينَ كما خدموه مع معرفتنا الأكيدة بالفرق الكبير بيننا وبينهم في العلم والعمل؟ - وعَوْداً على بدء: إذا قال: «هم رجال ونحن رجال» من كان في منزلة أبي حنيفة في نظرائه من أهل العلم فحُقَّ له ذلك؛ لأنَّ قول بعضهم ليس حجةً على بعض، والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتبه الشيخ: د. علي بن عبد الله الصياح الأستاذ بجبسيفَيعزيز الراجحي

ـ[أبو سارة]ــــــــ[21 - 09 - 2003, 09:55 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك أخي الكريم، وبالفعل هناك من يقول هذه الكلمات، وقد سبق لكثير من العلماء الإشارة لمثل هذه الدعاوى، مثل كتاب ابن عبد البر (جامع بيان العلم وفضله) والآجري في كتابه (أخلاق العلماء) وغيرهم0

والمرجع لذلك كله هو قول الله تعالى في سورة نوح (وقد خلقكم أطوارا)

وشكرا لك مرة أخرى

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير