تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن التبتل إليه والزهد فيما عداه من أمر الدين بسبب "إدمان"التشعب في جزئياته الدقيقة واستعمال كثرة الجدال والمراء واللغو وعدم استشعار شرف النسبة الحديثية والمقصود الأعلى من الاشتغال بهذا العلم الشريف هو من أكبر القواطع (و "أخفاها") عن بلوغ الإمامة المطلقة في الدين وخلافة سيد المرسلين وكمال الوراثة عنه ..

فمن كمال فضيلة أهل الإمامة في الحديث خاصة وهم ساداتهم الذين لم يقدر لهم بلوغ الإمامة المطلقة في الدين والتوصل إليها بالجمع بين إمامة الحديث وإمامة السنة تجدهم ينكسرون ويتواضعون وبما هم عليه يعترفون بل ينادون ويجهرون ويستعظمون من التقصير في الإمامة المطلقة لعلو هممهم ما يستصغره الأقزام ..

فكلمة شعبة بل كلماته وكذا غيره كهشام الدستوائي ونحوهم هي _والله أعلم _من هذا الوادي ..

وهو من أكبر مناقبهم رحمهم الله تعالى ورفع درجتهم، وتجاوز عنا وعنهم ..

وأما كلمة الإمام أحمد فلا مدخل لها في تزكية النفس كما يدرك المتأملون لأحواله بل كلمة صادرة عن رسوخ قدم في الإمامة في الدين ..

فما السر في بلوغ أحمد ونظرائه لها .. ؟

إنه أولاً وآخراً توفيق الله عزوجل ولا ريب عند مؤمن في هذا لأن الله تعالى يختار لذلك من يصفيه ويجتبيه بعد تمحيصه ..

ولكن أهم معالم هذا السبيل معرفتهم أن معقد الهدى هو القرآن وأنه كلام الله عزوجل الذي لا عدل له، وأنه الهدى والشفاء والنور والرحمة كل حرف منه فيه ذلك (الألف واللام والميم) مثلاً ..

وأنه منتفع به بكل وجوه الانتفاع بالكلام وأعظم فلا كلام أنفع منه ..

ولهذا لما ذكرت لأحمد كلمة يحيى بن أبي كثير أو نحوه:" السنة قاضية على القرآن" لم يجسر على هذا التعبير مع علمه بحسن المقصود به بل اختار له تعبيراً آخر أجمل واليق (وأدل على علاقته القوية بالقرآن ووده له كما هو الشأن معه في الحديث) ..

وأمر آخر محصته التجارب من جماعات في عصور متباينات: أنه كما لا يهتدى إلى الحق في متشابه القرآن إلا بالسنة، فلا يهتدى إلى الحق في متشابه الحديث إلا بها ..

والمقصود بالسنة هنا هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ومنها: أنه كان لا يقدم على القرآن شيئاً ..

والمؤمن لا يقدم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع القرآن: تلاوة قولية وعملية شيئاً (راجع بيان ابن القيم لهذا في "المفتاح")، لأنه هو صلى الله عليه وسلم المقطوع بأنه كان يتلوه حق تلاوته، والذي يتبع النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن يتلوه حق تلاوته ويدخل في شهادة الله تعالى في كتابه لهؤلاء بالإيمان إذ قال:" أولئك يؤمنون به".

**

أملي أخيراً من نفسي وإخوتي مراجعة كيفية تعامل الإمام أحمد ونظرائه مع القرآن ..

وإنما خصصت أحمد لأنه تقدم في أصل المشاركات نقل كلامه وأدير التعليق عليه، مع كونه من أجل مَن جمع _ بعد القرون الثلاثة قرن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ومن تلاهم من التابعين بإحسان ثم من تلاهم من الأتباع بإحسان للتابعين بإحسان _ إمامةَ الحديث وإمامة السنة وثبتت وراثته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالحس والدلائل المعتبرة في الشرع ..

والقرآن حبل الله فينا طرفه بيد الله والآخر بأيدينا ..

وإنما تقع الفتن بالتفريط فيه ليس في هذِّه والتطريب بقراءته ولا بالجدال وتشقيق الكلام في الخوض في معانيه بل هذا من أصول الفتن وأسبابها ..

والمقصود الغائي من الفتن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم التي قضى الله تعالى أن تكون خير أمة أخرجت للناس وأن ترث رسالته في الأرض بعد اختتام النبوة بنبيها هو تمحيص المؤمنين ومحق الكافرين المظهرين للكفر والطعن في الرسول وما جاء به والمخفيه ..

وبحسب رجوع الناس إلى القصد والحق في معاملة القرآن تنقشع الفتن عنهم ..

وأعلم الناس بالقرآن هم كما قال الفاروق:" أصحاب السنن"، أي: أئمة السنة النبوية لا المكثرين من "مجرد" رواية الحديث أو التنقير عن دقائق متعلقاته .. فإن هؤلاء تدخل فيهم الأهواء وهم لا يشعرون بل أكثر منافقي أهل الأهواء لأهل السنة النبوية ينشؤون فيهم ويندسون بينهم ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير