[موقف الحاكم النيسابوري من الأسماء والصفات]
ـ[أبو معاوية البيروتي]ــــــــ[26 - 07 - 09, 12:47 م]ـ
[موقف الحاكم النيسابوري من الأسماء والصفات]
وهو فصل من كتابي " الجامع لترجمة أبي عبد الله الحاكم " (طبعته دار البشائر الإسلامية / بيروت)
الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمّد, وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وبعد, فهذا بحث في موقف الحاكم النيسابوري من الأسماء والصفات, استخرجته من كتابي "الجامع لترجمة أبي عبدالله الحاكم"/الفصل السابع/عقيدة الحاكم السلفيّة, فقد عدّ تاج الدين السبكيُّ الحاكم أشعريّاً في طبقات الشافعية الكبرى (4/ 162) , وذكر أنّ مشايخه الذين كانت له بهم خصوصية من المتصلّبة في عقيدة الأشعري, كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الصبغي, وأبي بكر بن فورك, وأبي سهل الصعلوكي, وذكر أن ابن عساكر أثبته في عداد الأشعريين في كتابه "تبيين كذب المفتري".
فأقول, وبالله العلي أستعين:
1 - إن ابن عساكر ذكر الحاكم في كتابه من الأشعريين من غير أن يأتي بدليل من كلام الحاكم أو غيره يشهد له بالأشعرية.
2 - إن السبكي لا يقبل قوله, لأنه – كما قيل – لو استطاع لعدّ الشافعي أشعرياّ, والمضحك أنه نقل في ترجمته لابن خزيمة في طبقاته (2/ 135/ط. دار المعرفة) تأويله لحديث الصورة, ثم قال أن تأويل ابن خزيمة "شاهد صحيح لا يرتاب فيه من أن الرجل بريءعما ينسب إليه المشبهة [1] وتفتريه عليه الملحدة, وبراءة الرجل منهم ظاهرة في كتبه وكلامه (!!) ولكن القوم يخبطون عشواء ويمارون سفها". وتغاضى السبكي النظر عن أن تأويل ابن خزيمة لحديث الصورة [2] ذكره في "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل التي وصف بها نفسه" الذي ملأه من أوله إلى آخره بإثبات الصفات لله عز وجل, كصفة الوجه والعينين واليدين والاستواء والكلام والضحك والنزول وغيرها من الصفات. فلماذا أعرضت يا سبكي عن كتاب الرجل بأكمله وتعلقت بهذه المسألة الواحدة, فنقول لك: "إن كلام ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" شاهد صحيح لا يرتاب فيه من أنه سلفي العقيدة, بريء عما نسبته إليه من الأشعرية".
3 - ذكر السبكي "أن مشايخ الحاكم الذين كانت له بهم خصوصية من المتصلبة في عقيدة الأشعري, كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الصبغي ... "اهـ.
قال عبد الغافرالفارسي: "اختص الحاكم بصحبة إمام وقته أبي بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي, فكان في الخواص عنده والمرموقين" [3].
وترجم الحاكم للصبغي أول ترجمة في طبقة شيوخه من "تاريخ نيسابور", وذكر أنه توفي سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة, أي أن سن الحاكم وقتها كان إحدى وعشرين, فهو شيخه الذي تأسس عليه منذ بداية طلبه للعلم, فهل عقيدة شيخه أشعرية كما "زعم" السبكي؟
قال البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" (ص 531): قال أبوعبدالله الحافظ [4]: قال الشيخ أبو بكر أحمدبن إسحاق بن أيوب الفقيه: "قد تضع العرب (في) بموضع (على) , قال الله عز وحل: {فسيحوا في الأرض} وقال: {لأصلبنكم في جذوع النخل} ومعناه على الأرض وعلى النخل, فكذلك قوله {في السماء} , أي: على العرش فوق السماء, كما صحت الأخبار عن النبي صلّى الله عليه و سلم"اهـ.
وفي بيان الصّبغي لعقيدته الذي عرضه على ابن خزيمة [5] قال: "وأنه ينزل تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: "هل من داع فأجيبه". فمن زعم أن علمه تنزّل أو أمره, ضلّ, ويكلّم عباده بلا كيف. {الرحمن على العرش استوى} لا كما قالت الجهمية: إنه على الملك احتوى, ولا استولى, وأنّ الله يخاطب عباده عودا وبدءاً, ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه, ومن زعم غير ذلك فهو ضال مبتدع".اهـ.
4 - قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص139) – عند كلامه على الإمام ابن خزيمة –: "وأنا أذكر في هذا الموضع من دقيق كلامه الذي أشار إليه إمام فقهاء عصره أبوالعبّاس بن سريج ما يستدل به على كثير من علومه, ... سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه, يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه, وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته, وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين, إذ "المسلم لا يرث الكافر" كما قال صلى الله عليه وسلم".اهـ.
الله أكبر! يعد الحاكم هذا الكلام من "دقيق كلامه" و "ما يستدل به على كثير من علومه" من أنه "من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه, يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه", فلو كان الحاكم كما "زعم" السبكي أشعريا لما أثنى على كلام ابن خزيمة, لأن الأشاعرة ينكرون بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته, ولعد الحاكم هذا الكلام من الضلال المبين بدلا من الثناء على قائله. ولكنه أثنى على قائله, لأنه يوافق عقيدته السلفية, عقيدة السلف الصالح أصحاب الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (3/ 359) عن الحاكم أن عقيدته وعقيدة ابن قتيبة الدينوري "فيما يتعلق بالصفات واحد". أما عقيدة ابن قتيبة, فقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 298 ـ 299): "ما رأيت لابي محمد (ابن قتيبة) في كتاب "مشكل الحديث" ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة, ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأوّل".
___
[1] يقصد السبكي ب"المشبهة" أهل الحديث السلفيين كعادته, وأحيانا يسميهم "الحشوية".
[2] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 375 - 376): تأوّل ابن خزيمة حديث الصورة, فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل.
[3] السياق لتاريخ نيسابور (المنتخب/ص 16).
[4] هو الحاكم, ويقصده البيهقي عند إطلاقه لفظ (أبي عبدالله الحافظ) , وقد فعل هذا البيهقي آلاف المرات في كتبه.
[5] نقله الذهبي – عن الحاكم في "تاريخ نيسابور" – في سير أعلام النبلاء (14/ 381).
¥