كما أن الافتقار المنفي عن الله - عز وجل -, هو افتقار إلى ما هو خارج عن نفسه, وأما ما هو داخل في مسمى نفسه المقدسة كالصفات - ومنها اليدين - فليس هو شيئاً خارجاً عن نفسه [4].
ومن أوجه .. تناقض واضطراب القوم, أنهم يثبتون الإرادة لله – تعالى -, ولا يَرِد عارض التمثيل عليهم ها هنا, فإذا جاء إثبات الصفات الخبرية توهموا التمثيل فركنوا إلى التفويض والتجهيل.
فيقال لهم: وهم التمثيل يلاحقكم ويلازمكم فيما أثبتم, فالإرادة هي ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة, فإن قالوا هذه إرادة المخلوق, وإرادة الله تليق به, فكذا يقال: إن يد الافتقار والحاجة هي يد المخلوق, ويد الله تليق به سبحانه.
• هرع العصري والغرسي والكبيسي - ومن ورائهم القرضاوي - ففرقوا من غير هدى ولا كتاب منير, فزعموا أن إثبات الصفات الخبرية يوهم التركيب .. بخلاف الصفات السبع, فيقال: هذا التركيب - مع ما فيه من إجمال - يلزمكم فيما أثبتموه من الصفات كالحياة والسمع والبصر .. ! كما بسطه ابن تيمية في مجموعة الفتاوى 13/ 305.
ويقال لهؤلاء كما قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله - منكراً أصل تلك العبارات المبتدعة - والتي يرددها العصري وأصحابه -: (وهذا الذي تكرر مرة بعد مرة - جارح, وعضو, وما أشبهه - حشو وخرفات, وتشنيع لا يقوله أحد من العالمين, وقد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاب بأسانيدها وألفاظها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقول كما قال, ونعني بها كما عنى, والتكييف عنا مرفوع, وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتشنيع)) الرد على بشر 2/ 689.
يأبى العصري - وكذا صاحبه أحمد الكبيسي ومن قبلهم البوطي وغاوجي وآخرون - إلاّ اللحوق بذيل هذا القافلة المتنكبة: سبيل القرون الثلاثة المفضلة, فيقلد الأشاعرةَ في الغلو في المعقولات, وتقديمها على المقولات, وإن كانت هذه المعقولات في الحقيقة والواقع مجهولات وكسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً .. إذ افتعل الأشاعرة تعارضاً بين العقل والنقل, ثم قدّموا عقولهم .. فالعصري وشركاؤه قد أهدروا حرمة النصوص الشرعية, فالصفات الخبرية التي تثبت بالسمع لهم أن يعبثوا بها عبر تأويلات متعسفة وجهالات مضللة.
وهكذا يمتهن القوم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية, ويجوّزون لعقولهم الكاسدة الاستدراك والتعقيب على نصوص الوحيين, وهكذا كان أسلافهم فالرازي يزعم أن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين - وهذا من مقدمات الزندقة التي يشركه فيها فئام من ملاحدة هذا العصر - وصاحبهم (السنوسي) في أم البراهين يتفوّه قائلاً: من أصول الكفر التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة!!
قال ابن القيّم: "فالقوم على شركهم وشدة عداوتهم لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كانوا أصح أفهاماً من الجهمية الذين نسبوا ظاهر القرآن إلى هذه الصفة القبيحة ولكن الأذهان الغُلف, والقلوب العمي, والبصائر الخفاشية لا يكثر عليها أن تفهم هذا من ظاهر القرآن". الصواعق المرسلة 1/ 242.
وأحسب أن ما دُوِّنَ آنفنا هو الأهم في ... بيان عوار الكتاب, وأختزل المآخذ الباقية على النسق الآتي:
تصنّع المؤلفُ الترفق والاقترابَ من مذهب السلف الصالح, وتظاهر بأن الخلاف بين مذهبه وبين مذهب السلف لفضي تارةً, أو أنه مجرد خلاف لغوي لا عقائدي!!
كما جاء في مطلع الكتاب. فهذا التلوّن والمداهنة جادة مطروقة قررها بشير المريسي كما قال الإمام عثمان الدارمي: (بلغنا أن بعض أصحاب المريسي قال: كيف بهذه الأسانيد التي يحتجون بها علينا في ردّ مذهبنا مما لا يمكن التكذيب بها؟ قال: لا تردوه فتفضحوا ولكن غالطوهم بالتأويل, فتكونوا قد رددتموها بلطف إذا لم يمكنكم ردّها بعنف) الردّ على بشر ص556.
¥