وقال رحمه الله: "قال القشيري رحمه الله: (اعلموا أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد، صانوا بها عقائدهم عن البدع، ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل) قلت: هذا كلام صحيح فإن كلام أئمة المشايخ الذين لهم في الأمة لسان صدق، كانوا على ما كان عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل، وهذه الجملة يتفق على إطلاقها عامة الطوائف المنتسبين إلى السنة وإن تنازعوا في مواضع هل هي تمثيل أو تعطيل" [الاستقامة 1/ 90 - 91].
وقال قبلها: " والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ يوافق ما كان عليه السلف، وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر، فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشايخ مثل الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشى، ومعروف الكرخي، إلى الجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء ما يبين حقيقة مقالات المشايخ".
وقال الشيخ العلامة عبدالعزيز الراجحي: "أبو القاسم الجنيد هذا من الصوفية كان يثني عليه شيخ الإسلام -رحمه الله- وينتسب إلى الصوفية والظاهر أنه من الصوفية المعتدلين".
وأما المتأخرين فقد دخلهم ما دخلهم قال شيخ الإسلام: "في كلام العارفين كأبي القاسم الجنيد وأمثاله من بيان أن التوحيد هو إفراد الحدوث عن القدم ونحو ذلك، ومن بيان وجوب إتباع الأمر والنهي ولزوم العبادة إلى الموت، ما يبين به أن أولئك السادة المهتدين، حذروا من طريق هؤلاء الملحدين، ولهذا نجد هؤلاء كابن عربي وابن سبعين وأمثالهما يردون على مثل الجنيد وأمثاله من أئمة المشايخ، ويدعون أنهم ظفروا في التحقيق بنهاية الرسوخ، وإنما ظفروا بتحقيق الإلحاد والدخول في الحلول والاتحاد، وما زال شيوخ الصوفية المؤمنون يحذرون من مثل هؤلاء الملبسين، كما حذر أئمة الفقهاء .. " [الأصفهانية 1/ 173].
وقد نقل الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية طرفاً يقتضيه المقام من كلام أئمة الصوفية في التوحيد فراجعه لزاماً.
وهذا التفريق بين المتقدمين والمتأخرين هو الذي ذكره علماء الإسلام قرناً بعد قرن:
قال ابن حجر في معرض كلامه عن غلاة الصوفية (الفتح 13/ 348): "ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم، وحاشاهم من ذلك، وقد قدمت كلام شيخ الطائفة الجنيد وهو في غاية الحسن والإيجاز".
وهؤلاء تبرأ أهل التصوف الصحيح منهم قديماً قال أبو نعيم يرحمه الله في أول الحلية: " .. وتبرأ من المتنطعين والمتعمقين ومن أهل الدعاوى من المتسوفين ومن الكسالى والمتثبطين، المتشبهين بهم في اللباس والمقال، والمخالفين لهم في العقيدة والفعال".
ولايعني ذلك أن أصحاب التصوف الصحيح انقرضوا منذ عهد أبي نعيم بل ظلت منهم طوائف، فكم من ترجمة في السير مثلاً وجدت فيها قول الذهبي: "وكان من أئمة السنة، ومن مشايخ الصوفية" ونحو ذلك.
بل في زمان شيخ الإسلام الذي كثر فيه جهالهم فقام لهم الإمام وقاموا عليه في ملاحم معروفة، إلاّ أن ابن شيخ الحزامين كان يجل شيخ الإسلام وكان الإمام يجله ويثني عليه ويقول هو جنيد وقته، وقد كان الرجل حسن المعتقد له تصانيف في التصوف على طريق السنة وردود على طوائف المبتدعة كالحلولية والاتحادية، وقد وقف مع شيخ الإسلام إبان الفتن التي تعرض لها بمصر يوم ثار عليه جهلة الصوفية، مثبتاً له ولأصحابه يوم أخذتهم الدولة وله رسالة مشهورة أرسلها لشيخ الإسلام يوم كان في السجن يثبته فيها ويثبت أصحابه فرحمه الله.
وقال الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي في كتابه أصول الدين عند التعريف بالتصوف: " وأما الصوفية فأكثرهم من أهل السنة والجماعة. وفيهم من يكون صاحب الكرامة، إلا أنه قد ظهر فيهم مذاهب ردية أكثرها ضلال وبدعة. منهم ... " وعدد بعض طرقهم الزائغة.
وقال ابن القيم مستحسناً التفريق بين المتقدمين والمتأخرين الإغاثة ص125: "وما أحسن ما قال أبو أحمد الشيرازي كان الصوفية يسخرون من الشيطان والآن الشيطان يسخر منهم".
¥