قلنا: الترجيح يكون طريق الدليل في نفسه، وبأدلة خارجية.
أما الدليل في نفسه:
فقد ثبت عمومه في نفي الاختصاص بما سبق.
وهو لا ينفي لبس بعض الصوفية للصوف، فنفي الاختصاص لا ينفي اتخاذ بعضهم للباس؛ لكن لبس بعضهم للصوف، لا يخصهم به.
وهو كلام في مقام التقرير للمذهب، وليس كما فهم الأخ عايض؛ أنه في مقام الإنكار على تغير أحوال المتصوفة، حيث يقول: "كلام القشيري - لو سلمت دلالته - فهناك إشارات قد تحمل كلامه على أنه يتحدث عما غلب ووقع فيه زاهد عصره .. ".
فإن القشيري انتهى من تقريع الخارجين عن طريق التصوف في أول كتابه، ثم بدأ يكتب أصول وقواعد التصوف، حتى جاء إلى بيان معنى التصوف، بعد منتصف كتابه، فبين معنى التصوف، فقال ما قال، والسياق يدل بوضوح أنه كان في مقام التقرير لأصول المذهب.
فدلالة كلامه واضحة على النفي، من إمام عاش في القرن الرابع والخامس؛ أي في بدايات التصوف، فهو يحكي حالا رآه وعرفه ..
والقشيري لم ير في إنكار النسبة بأسا، ولا ضررا بمعنى التصوف الذي يريده، وهكذا فهم الآخرون لذا كفوا عن نقده والرد عليه.
أما قول من يثبت النسبة، فيلاحظ عليه أنه يقول: نسبوا إلى ظاهر اللبسة، وأنه لبس الأنبياء والصالحين والاولياء والأصفياء.
وقد كان من هم المتصوفة نسبة كل شيء في التصوف إلى الإسلام، فمن ذلك قولهم في الصوف أنه لباس الأنبياء - وفيه نظر- ولباسهم .. لكن هل تقبل دعاواهم هكذا، من غير ما يؤكد؟.
إن قولهم محل الشك، لإنكار القشيري والهجويري ذلك، فلا مصلحة لهما من الإنكار، وهما عالمان بحالهم .. وهو من قبيل وشهد شاهد من أهلها.
قد تكون شهادة الخصوم مجروحة، لكن شهادة الأصحاب الأوفياء المخلصين الصادقين مقبولة.
هاهم يدعون أن علمهم مقيد بالكتاب والسنة، والأخ عايض يقر أن التصوف بدعة، فأين تقيدهم هذا؟.
كذلك دعواهم أنهم نسبوا إلى الصوف، أيكفي فيه أنهم قالوا، أم يحتاج إلى ما يثبت تلك الدعاوى ...
خصوصا وأن الصوفية إلى اليوم ليس لهم همّ في لبس الصوف، بل ولا يعرفون به .. وإلا فاتني منهم من يلبسه ..
لو فرضنا أن الإثبات في الوضوح يضاهي النفي، فيقال: دليل واضح قابل دليلا واضحا .. فما العمل؟.
هنا نلجأ إلى الأدلة الخارجية ..
فإذا جاءنا من يحتج بابن خلدون بأنه نسبهم إلى الصوف، كان لنا أن نحاجه بابن تيمية أن طريقتهم ليست مقيدة بلبس الصوف.
لكن لدينا أدلة أخرى مرجحة، وعديدة .. ليس دليلا "يتيما" كما ادعى الأخ الدوسري ..
منها دليل كبير ومهم، يستوجب من الباحث التوقف، وهو تعريفات الصوفية للتصوف، فإنه في أكثر مائتي تعريف لم يوجد إلا تعريف أو تعريفان ينسبان التصوف إلى الصوف .. لكن أكثر التعريفات واشهرها تنسبهم إلى الصفاء ..
الأخ الدوسري مر على هذا الدليل، ثم صال وجال فيما يظنه حجة وبرهانا لرأيه، مسقطا لرأيي .. وتلك طريقة في البحث فيها انتصار للذات، وليس فيها انتصار للعلم.
عندما يعرف المتصوفة التصوف بالصفاء، فهم يتكلمون على التصوف في مقام التعريف به، وتقرير حقيقته، وإعراضهم عن ذكر الصوف هنا، يكشف عن حقيقة أن الصوف ليس أصيلا في التصوف، ولو ادعوا ذلك، وما أكثر دعاوى المتصوفة.
هناك أدلة خارجية أخرى:
- ماهية التصوف.
- علاقة التصوف بالفلسفة.
- علاقة التصوف بالسحر.
- أحوال وأقوال المتصوفة الأوائل.
كل هذه تؤكد عدم علاقة التصوف بالصوف .. ولا شك أن نفي علاقة التصوف بالصوف هو أحد الأدلة على أجنبية التصوف، وليس الدليل الوحيد.
الأخ شنع علي في قولي إن أحدا لم يرد على القشيري، فأتى بما ظنه صالحا، فأوله كلام الانصاري قال: "لكن هذا لا يضر، لأن الحكم للغالبن والغلب عليهم لبسه، والاكتفاء به .. ".
حسنا .. هل هذا يعد ردا، أو إنكارا، كذلك ما جاء به عن الهروي أنه ساق الروايات في لباس الأنبياء، وذكر من المعاصرين التيجاني والتفتازاني ..
الأخ لا يدرك معنى الرد، فهذه المناوشات في نظره ردود .. ؟!! ..
¥