وسيد صفة مشبهة، وفيه معنى أقوى من اسم الفاعل المجرد " سائد "، فقد نقل صاحب القاموس أن السائد دون السيد (4).
كما أنه يمتاز عن صيغة اسم الفاعل بالتحقق والثبوت.
قال الفراء (ت 207): ((هذا سيد قومه اليوم، فإذا أخبرت أنه عن قليل يكون سيدهم قلت: هو سائد قومه وسيد)) (5).
وقد ذكر اللغويون معاني عدة لهذا اللفظ، فقد جاء عن عكرمة أنه قال: ((السيد: الذي لا يغلبه غضبه)) (6).
وقال قتادة (ت 117 أو 118): ((هو العابد، الورع، الحليم)) (7).
وقال أبو خيرة نهشل بن زيد ـ رحمه الله تعالى ـ: ((سمي سيدا؛ لأنه يسود سواد الناس، أي: معظمهم)) (8).
وقال الأصمعي (ت 212) ـ رحمه الله تعالى ـ: العرب تقول: السيد: ((كل مقهور مغمور بحلمه)) (9).
وقال النضر بن شميل (ت203) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((السيد: الذي فاق غيره، ذو العقل والمال والدفع والنفع، المعطي ماله في حقوقه، المعين بنفسه، فذلك السيد)) (10).
وقال الراغب (ت502) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((والسيد: المتولي للسواد، أي: الجماعة الكثيرة، وينسب إلى ذلك، فيقال: سيد القوم، ولا يقال: سيد الثوب وسيد الفرس، ويقال: ساد القوم يسودهم، ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلا في نفسه: سيد، وعلى ذلك قوله: â وَسَيِّداً وَحَصُوراً ? (11)، وقوله: â وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَاب ? (12) فسمى الزوج سيدا لسياسة زوجته، وقوله: â رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا ? (13) أي: ولاتنا وسائسينا)) (14).
وقال الفراء (ت 207) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((السيد: الملك، والسيد: الرئيس، والسيد: الحليم، والسيد: السخي، وسيد العبد: مولاه، والأنثى من كل ذلك بالهاء، وسيد المرأة: زوجها، وسيد كل شيء أشرفه وأرفعه)) (15).
وقال ابن الأثير (ت 606) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((والسيد يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، ومتحمل أذى قومه، والزوج، والرئيس، والمقدم)) ((16).
والسودد والسؤدد: الشرف.
والمسوَّد ـ بضم الميم، وفتح السين، وفتح الواو المشددة ـ: السيد.
والمسود ـ بفتح الميم، وضم السين ـ: من ساده غيره.
واستاد القوم بني فلان: قتلوا سيدهم، أو أسروه، أو خطبوا إليه (17).
وتسود الرجل: إذا ساد، وسود: إذا جعله غيره سيدا.
قال عمر ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: ((تفقهوا قبل أن تسودوا)) (18).
قال شمر: معناه: تعلموا العلم قبل أن تزوجوا، فتصيروا أرباب بيوت، فتشغلوا بالزواج عن العلم، من قولهم: استاد الرجل (19).
وقال أبو عبيد: ((يقول: تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء منظورا إليهم)) (20).
وبناء على ما تقدم ظهر أن ثمة معاني لهذا اللفظ، وهذه المعاني لها أثر كبير في توجيه النصوص الواردة، فإنزال النصوص على شيء من هذه المعاني يرفع الإشكال، والله أعلم.
الفصل الثاني:
المبحث الأول: إطلاق السيد على الله ـ تعالى
إن اسم (السيد) من أسماء الله ـ جل وعلا ـ الثابتة، ولم يأت لفظه في القرآن الكريم (21)، وهذا الاسم الكريم من الأسماء الدالة على صفات عديدة.
والدليل على أنه من أسماء الله ـ تعالى ـ حديث عبد الله بن الشخير ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ حيث قال: ((انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقلنا: أنت سيدنا، فقال رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ((السيد الله)) قلنا: فأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ((قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)) (22).
وقد أثبت هذا الاسم جماعة من العلماء منهم: الحافظ ابن مندة (23) (310 - 395)، والحليمي (24) (338 - 403)، وأبو بكر البيهقي (25) (384 - 458)، وقوام السنة أبو القاسم إسماعيل التيمي الأصبهاني (26) (457 - 535).
وذهب جماعة من العلماء إلى أنه ليس من أسماء الله ـ تعالى ـ، وذلك لأنهم يرون ضعف الحديث الوارد في هذا الاسم (27)، ولكونه لم يأت في الكتاب ولا في حديث متواتر (28).
قيل للإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ: ((يقولون: السيد هو الله، قال: أين هو في كتاب الله ـ تعالى؟)) (29).
¥