وقال العز بن عبد السلام ـ رحمه الله تعالى ـ: ((وإنما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنا سيد ولد آدم، لتعرف أمته منزلته من ربه ـ عز وجل)) (98).
وقال المناوي ـ رحمه الله تعالى ـ: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، أي أقول ذلك شكرا لا فخرا، فهو من قبيل قول سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ: â عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر ? (99) أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس.
وقيل: لا أتكبر به في الدنيا، وإلا ففيه فخر الدارين.
وقيل: لا أفتخر بذلك، بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة.
والفخر: ادعاء العظمة والمباهاة، وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاما للأمة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء)) (100).
المطلب الثالث:
في بيان شمولية سيادته لآدم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وبنيه
إن سيادة النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لبني آدم شاملة لآدم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وبنيه، وما جاء في حديث ((أنا سيد ولد آدم)) لا ينفي كونه سيدا لآدم، يدل على هذا اللفظ الآخر للحديث ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) والناس يدخل فيهم آدم عليه السلام.
وقد بين النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بم صار سيدهم، وهو إتيان الناس لآدم فمن بعده من الأنبياء ليشفعوا لهم، فيتأخروا عنها، حتى تكون النوبة لمحمد ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فيتولى أمرها، ويقوم بها، ويَشفَع ويُشفَّع.
قال العلامة السندي (ت 1138) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((قالوا في حديث: أنا سيد ولد آدم: إن الاسم يشمل آدم أيضا والله تعالى أعلم)) (101).
وهذا هو الظاهر، ويدل عليه الحديث الآخر، وهو قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) ثم ذكر ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بم صار سيدهم، وهو إتيان الناس آدم فمن بعده من الرسل ممن ذكرهم، وتأخرهم عن الشفاعة، حتى شفع فيهم محمد ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويدل عليه ـ أيضا ـ قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث أبي سعيد الخدري ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وبيدي لواء الحمد، ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي)) (102).
المطلب الرابع:
في بيان تحريم إطلاق لفظ (سيد ولد آدم) أو (سيد الناس)
أو (سيد الكل) ونحوها على أحد غير النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إن مما اختص الله ـ تعالى ـ به نبيه محمدا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وفضله به على سائر الناس: كونه سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة (103)، فهذه الميزة لا يشركه فيها أحد، وعليه، فلا يجوز منازعته ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في الخصيصة، وذلك بوصف أحد بها.
قال ابن القيم (ت 751) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((وكذلك تحريم التسمية بسيد الناس، وسيد الكل، كما يحرم سيد ولد آدم، فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وحده، فهو سيد ولد آدم، فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك)) (104).
وقد ذكر الحافظ السيوطي (ت 911) ـ رحمه الله تعالى ـ أن (السيد) من أسماء النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وبين معناه، فقال: ((وهو الرئيس الذي يتبع وينتهى إلى قوله، وقيل: السيد في الدين، وقيل: الحسن الخلق، وقيل: الذي يطيع ربه، وقيل: الفقيه العالم، وقيل: الذي ساد في العلم والعبادة والورع، وقيل: الحليم، وقيل: التقي، وقيل: الذي لا يغضب، وقيل: الكريم على الله، وقيل: الكبير، وقيل: الذي لا يحسد، وقيل: المطاع، وقيل: الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير، وقيل: القانع بما قسم له، وقيل: الراضي بقضاء الله، وقيل: المتوكل على الله، وقيل: الذي عظمت همته أن يحدث نفسه بدار الدنيا)) ثم قال: ((ونبينا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بالصفات المذكورة كلها)) (105).
وعليه فإنه ـ صلى الله علي وسلم ـ قد حاز معاني السيادة كلها، فليست تجتمع لأحد غيره، فلا يسوغ حينئذ أن يطلق على أحد غيره مثل هذه الألفاظ.
المبحث الثالث: إطلاق لفظ السيدة على المرأة
لقد جاءت نصوص كثيرة صحيحة تدل على جواز إطلاق هذا اللفظ على المرأة، ومن هذه النصوص:
¥