بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9] قال أبو مطيع: فنقاتل الفئة الباغية بالسيف؟ قال: نعم تأمر وتنهى فإن قبل وإلاَّ قاتلته فتكون مع الفئة العادلة وإن كان الإمام جائراً، ثم قال له بعد ذلك: وكن مع الفئة العادلة والسلطان الجائرِ ولا تكن مع أهل البغي" [144] وهذا يدل على إن الأمر استقر عند الإمام على عدم الخروج.
رابعاً: الحنفية من المعتزلة:
إن إمام المعتزلة هو واصل بن عطاء بن حذيفة الغزال من موالي بني ضبة أو بني مخزوم. لقب بالغزال ولم يكن غزالا لتردده على سوق الغزالين. سمي أصحابه بالمعتزلة لاعتزاله حلقة درس الحسن البصري مع صاحبه عمرو بن عبيد. إن الاعتزال كمذهب عقائدي نشأ حين افترق الناس إلى الخوارج وشيعة, وتساءل الناس عن مصير الذين خاضوا في الفتن, وفيها قتلت نفوس بغير حق, مما يعتبر من الذنوب الكبائر. وهنا طرحت مسألة مرتكب الكبيرة, فقال لخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - إن مرتكب الكبيرة كافر يجب قتله وهو مخلد في النار, وسئل الحسن البصري عن ذلك, فقال: إنه مؤمن ولكنه فاسق, فخالفه تلميذه واصل بن عطاء ومعه عمرو بن عبيد فقالا: إن مرتكب الكبيرة فاسق, ولكنه في منزلة بين المنزلتين, فهو غير مؤمن إيماناً مطلقاً, ولا هو كافر مطلقاً, ويكون كافراً ومخلداً في النار إذا مات ولم يتب توبة نصوحاً. وهنا أعتزل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مجلس أستاذهما الحسن البصري وسمي أتباعهما المعتزلة. كان هذا بداية اتجاه فكري, وسمو بالعقلانيين, أحرار الفكر الذين يقولون بأن للعقل الولاية الأولى في الحكم على الأشياء. وبذلك يكون لمفكري الإسلام قصب السبق إلى هذا الاتجاه الفكري. أقام المعتزلة مذهبهم على خمس أصول هي: أولاً؛ التوحيد: وهو لب مذهبهم, فهم يرون أن الله واحد أحد ليس كمثله شيء, وأنه ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولا شخص, ولا هو جوهر ولا عرض, وهو عندهم منزه عن المشابهة والمماثلة مع المخلوقات والمحدثات. وقالوا: لو كان لله صفة كالعلم والإرادة والسمع والبصر, مستقلة عن ذاته, لاقتضى أن تكون تلك الصفة قديمة, والإقرار بقدمها يقتضي الإقرار بوجود قديمين, وبذلك يكون لله شريك في القدم, وهذا شرك ينافي التوحيد. وعلى ذلك بنوا قولهم بنفي الصفات عن الله وبخلق القرآن – تعالى الله عما يقول الظالمون -. ثانياً؛ حرية الاختيار: وعندهم أن الأصل في الإنسان أنه حر في اختيار أفعاله, وهو الذي يفعلها ويحاسب عليها, فيثاب إن كانت خيرا ويعاقب إن كانت شرا. فهو مسئول عن أفعاله. وعندهم أن الإنسان قادر على خلق أفعاله بقدرة أودعها الله فيه, وجعله يميز بها الخير عن الشر. ومن أجل ذلك سمي مذهبهم بمذهب القدرية نسبة إلى قدرة الإنسان على صنع أعماله, وفي ذلك خالفوا الجبرية الذين قالوا إن الله هو الذي يخلق أفعال الإنسان, وإن الإنسان مجبر عليها ولا خيرة له فيها. وحجة المعتزلة في مذهبهم أن الله تعالى لو كان هو الذي يخلق أفعال الشر, فيكون ظالماً إذا حاسب الإنسان عليها والله تعالى منزه عن الجور. وقد تلقوا هذا الأساس عن معبد الجهني وغيلان الدمشقي القدريين. ثالثاً؛ الوعد والوعيد: وهو يعني أن من أطاع الله تعالى دخل الجنة, ومن عصاه دخل النار, وهذا وعد الله للمطيعين ووعيده للعاصين. من هذا الأصل قالوا: لا يغني عن المرء إيمانه إذا لم يفعل الخير ويصدق العمل الصالح هذا الإيمان. رابعاً؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ومن هذا الأصل انطلقوا في الدفاع عن الإسلام والذود عنه أمام سيل الزندقة الذي اندفع في أول العصر العباسي. خامساً؛ المنزلة بين المنزلتين: ويعني الحكم على مرتكبي الذنوب الكبيرة بالخلود في النار إذا ماتوا دون توبة نصوح, وتسميتهم فسقة وجعلهم في مرتبة أدنى من المؤمنين وأعلى من الكفار, وهذا ما عنوه بقولهم إنهم في منزلة بين المنزلتين. [145] والمعتزلة كانوا في بدايتهم أصحاب فكر جدلي منطقي متحمس وثقافة واسعة ناقدة استخدموها في الدفاع عن العقيدة الإسلامية وفي مواجهة خصوم الإسلام خصوصاً من أصحاب الأديان المنسوخة وبعض أصحاب الثقافات الدينية الوثنية الذين دخلوا بتراثهم إلى الإسلام وأردوا نشره بين المسلمين، فكان
¥