ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[14 - 11 - 05, 12:45 ص]ـ
اختار " ناظر الجيش" القول بالخبرية ورجحه على القول بالبدلية ,ولعله مال إلى قلة التكلف في هذا الاختيار لأن القول بالبدلية يستلزم حذف الخبر ..... بيد أن هذا الاختيار لم يسلم من اعتراضات وهي إجمالا اعتراضات نحوية وبلاغية .....
الاعتراض البلاغي:
مفاد هذا الاعتراض عدم مطابقة معنى الكلمة الطيبة- عند القول بالخبرية –مع مقتضيات الحال: فمن المعلوم أن المشركين كانوا يعتقدون ألوهية الله تعالى لكنهم لا يؤمنون به إلا وهم مشركون بتصورهم وجود آلهة أخرى تستحق العبادة ... وعلى هذا لا بد للكلمة الطيبة من أن تقصد تصحيح هذا الوضع ولا يتأتى ذلك إلا بالدلالة على نفي استحقاق غير الله للعبادة وإثبات ذلك الاستحقاق لله وحده ... وهذا المعنى لا يفهم من" لا إله إلا الله"مع اعتبار "إلا الله" خبرا, إذ يفهم منها حينئذ نفي مغايرة الله عن كل إله الذي يفيده الاستثناء المفرغ الواقع موقع الخبر. قال الدسوقي: كذا قال السعد التفتازاني, وهو يفيد أن "إلا" تكون حينئذ بمعنى"غير" وان النفي إنما تسلط على ذلك.
أما الاعتراضات النحوية فهي:
1 - يلزم عن القول بالخبر عمل "لا" النافية للجنس في معرفة , وقد تقرر عند أهل النحو أنها لا تعمل إلا في النكرات.
2 - يلزم عن القول بالخبر أن يكون الاسم المعظم مستثنى , والمستثنى لا يصح أن يكون عين المستثنى منه لأنه لم يذكر إلا ليبين ما قصد بالمستثنى منه ..... ويوضحه الدسوقي:"مقتضى الخبرية أنه عينه, لأن خبر "لا" أصله خبر عن اسمها, والخبر عين المبتدأ في المعنى ,والحاصل أن الخبر عين المبتدأ في المعنى وهنا لا يصح ذلك لأن الخبر هنا مستثنى والمبتدأ مستثنى منه , والمستثنى لا يصح أن يكون عين المستثنى منه لأن المستثنى مبين لما قصد بالمستثنى منه والمبين-بالكسر- يجب مغايرته للمبين-بالفتح- إذ الشيء لا يبين نفسه."انتهى.
قلت: خلاصة وجه الاعتراض أن اعتبار الاسم المعظم خبرا مع كونه مستثنى .... فيه تدافع وتعارض:فالوصف الأول يحتم كونه مساويا للمبتدأ والثاني يحتم كونه مغايرا له وهذا محال.
3 - هناك اعتراض آخر هو ارتكاب خطإ نحوي منطقي: فالقول بأن الاسم المعظم خبر يستلزم الإخبار بالخاص عن العام هذا غير مقبول ..... فلا يقال مثلا:"الحيوان إنسان" -مع جعل "ال" للاستغراق-.
وهنا اسم "لا" عام لا محالة وخبرها خاص وهو الاسم المعظم ... ومقتضى الإخبار به –وهو أقل عددا-عن اسمها –وهو أكثر عددا- باطل.
الجواب عن هذه الأمور بعد حين إن شاء الله.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[25 - 11 - 05, 03:40 ص]ـ
للقائلين بالخبرية أن يردوا على الاعتراضات السابقة على النحو التالي:
1 - قولكم لا تعمل "لا" إلا في النكرات مسلم ... وكون الخبر هنا معرفة لا يضرنا لأنه ليس معمولا ل"لا" النافية للجنس:
-فعلى مذهب الأخفش القائل بعمل "لا" في الخبر, فالخبر محذوف مقدر بالتقديرين المشهورين (معبود بحق) عند أهل الحق أو (موجود) عند غيرهم.
-وعلى مذهب سيبويه –كما مر- لا عمل ل"لا "النافية للجنس في الخبر أصلا, والخبر عنده مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول "لا" وهو المبتدأ-على مذهب البصريين-.وقد علل ذلك بضعف عمل "لا" حين ركبت مع الاسم وصارت كجزء كلمة ومن المعلوم أن جزء الكلمة لا يعمل شيئا.
ومقتضى هذا أن لا تعمل "لا" في اسمها أيضا لكنه أبقى عملها في أقرب المعمولين وجعلت هي ومعمولها بمنزلة المبتدأ, والخبر بعدهما على ما كان عليه من التجرد ,وإن كان كذلك لم يثبت عمل "لا" في المعرفة وهو المطلوب.
لكن الدسوقي أورد على التعليل السابق اعتراضا مداره حول عدم تحرير نقل مذهب سيبويه في عمل "لا":فإلزامه أن لا تعمل "لا" في اسمها لا معنى له, لأن سيبويه لا يقول بعمل "لا" في اسمها فضلا عن خبرها .. بل يرى أن "لا" المركبة لا تعمل شيئا واسمها مبني على الفتح لا محل له من الإعراب , ومجموع "لا" مع اسمها في محل رفع ,وعامل الرفع عامل معنوي و هو الابتداء, والخبر بعدهما باق على حاله ......
أما القائل بعمل "لا" في الاسم دون الخبر فهو ابن مالك -لا سيبويه- وعلل ذلك بأن تركيبها مع اسمها أضعف شبهها ب"أن"-الناصبة الرافعة- فورد عليه أن مقتضى ذلك أن لا تعمل في الاسم أيضا. فأجاب بأنها إنما عملت فيه لملاصقتها له.
2 - أما الجواب على قولهم إن الخاص لا يكون خبرا عن العام فمسلم أيضا ... لكن في "لا إله إلا الله":
-لم يخبر بخاص عن عام لأن العموم منفي.
والكلام إنما سيق لأمرين:
- لنفي العموم
- ولتخصيص الخبر المذكور بواحد من أفراد ما دل عليه العموم.
توضيح هذا الجواب بعناصره الثلاث:
-العنصر الأول: قولهم الخاص لا يكون خبرا عن العام محمول على ما إذا حمل الخاص على جميع أفراد العام بحيث يصير المعنى: جميع أفراد العام هي هذا الخاص. وما هنا ليس كذلك , بل القصد هنا أن هذا الأمر العام الذي هو "الإله"لم يتحقق خارجا إلا في فرد واحد خاص هو "الله".
ومعنى هذا أن محل امتناع الإخبار بالخاص عن العام إذا كان على وجه الإيجاب والإثبات ... أما على وجه النفي والسلب فلا يمتنع ...... فقولنا: الحيوان إنسان ممنوع ... ولكن قولنا: ما الحيوان إنسان غير ممنوع , لأن مرادنا ليس كل فرد من أفراد الحيوان إنسانا وهذه قضية صادقة بدون شك .... و"لا إله إلا الله " من هذا القبيل لأن المقصود سلب الإله وعدم تحققه في الخارج من غير هذا الفرد المعين وتخصيص هذا الفرد المعين بوصف الألوهية.
-العنصر الثاني: قولهم " والكلام –أي لا إله إلا الله-سيق لنفي العموم" غير دقيق فالأولى –حسب الدسوقي- أن يقال سيق لعموم النفي لأن الاستثناء دليل على عموم السلب وليس دليلا على سلب العموم.
-العنصر الثالث: قولهم "تخصيص الخبر المذكور بواحد من أفراد ما دل عليه العموم" حاصله أن الكلام إنما سيق لعموم النفي ولتخصيص الخبر الذي هو الكلمة المشرفة (الله) بوصف واحد مما دل عليه اللفظ العام وهو الألوهية لأن الألوهية إنما هو نفس الأمر لمدلول الكلمة المشرفة.
3 - ....................
(يتبع)
¥