تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[10 - 06 - 05, 04:04 م]ـ

قال السراج القاريء في مصارع العشاق:

فراقية ابن زريق

أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن الجاز القرشي الأديب بالكوفة، وأنا متوجه إلى مكة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة بقراءتي عليه، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن حاتم بن بكير البزاز التكريتي بتكريت قال:

حدثني بعض أصدقائي أن رجلاً من أهل بغداد قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه، فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره، فأعطاه شيئاً نزراً، فقال البغدادي: إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكت البراري والبحار والمهامه والقفار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر؟ فانكسرت إليه نفسه واعتل فمات.

وشغل عنه الأندلسي أياماً، ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه، فانتهوا إلى الخان الذي كان فيه وسألوا الخانية عنه، فقالت: إنه كان في هذا البيت، ومذ أمس لم أره، فصعدوا فدفعوا الباب، فإذا بالرجل ميتاً، وعند رأسه رقعة فيها مكتوب:

لا تَعْذُليهِ، فإنّ العَذلَ يولِعُهُ قد قلتِ حقّاً، ولكن ليس يسمعُهُ.

جاوَزْتِ في نُصْحِهِ حدّاً أضرّ بِهِ من حيثُ قَدّرْتِ أن النصْحَ ينفعه.

قد كان مضطلِعاً بالحَطْبِ يحمِلُه فضُلّعَتْ بخطوب البَينِ أضلُعه.

ما آبَ مِن سفرٍ إلا وأزْعَجَهُ عزْمٌ إلى سَفَرٍ بالرُّغْمِ يُزْمِعُه.

كَأنّما هُوَ في حلّ وَمُرْتَحَلٍ مُوَكَّلٌ بِقَضَاءِ اللهِ يَذرعه.

أستَوْدعُ الله، في بغداد، لي قمراً بالكَرْخِ من فَلَكِ الأزْرَارِ مَطلعُه.

وكم تَشَفّعَ بي أن لا أُفَارِقَهُ، وللضّرُوراتِ حالٌ لا تُشَفِّعُه.

وكم تَشبّثَ بي يوْمَ الرّحيل ضُحى، وأدمُعي مُسْتَهِلاّتٌ وأدمُعُه.

أُعْطيتُ ملكاً فلمْ أُحسِن سياستَه وكلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلعُه.

ومَن غدا لابساً ثوْبَ النّعيمِ بِلا شكرٍ عليه، فعنهُ اللهُ ينْزِعُه.

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[10 - 06 - 05, 04:10 م]ـ

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان:

لهذه الأبيات حكاية مستطرفة أحببت ذكرها هاهنا وقد سردها الحافظ أبو عبد الله الحميدي، في كتاب جذوة المقتبس، وغيره من أرباب تواريخ المغاربة، وهي أن أبا علي الحسن بن الأشكري المصري قال: كنت رجلاً من جلاس الأمير تميم بن أبي تميم، وممن يخفف عليه جداً - وهذا تميم هو أبو العز بن باديس المذكور في حرف التاء - قال:

فأرسلني إلى بغداد، فاتبعت له جارية رائقة فائقةالغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه،

قال: وكنت فيهم، ثم مدت الستارة، وأمرها بالغناء فغنت:

وبدا له من بعد ما اندمل الهوى برق تألق موهناً لمعانه

يبدو كحاشية الرداء ودونه صعب الذرا متمنع أركانه

فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق نظراً إليه وصده سجانه

فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه والماء ما سمحت به أجفانه

وهذه الأبيات ذكرها صاحب الأغاني للشريف أبي عبد الله محمد بن صالح الحسني، قال

ابن الأشكري: فأحسنت الجارية ما شاءت، فطرب الأمير تميم ومن حضر، ثم غنت:

سيسليك عما فات دولة مفضل أوائله محمودة وأواخره

ثنى الله عطفيه وألف شخصه على البر مذ شدت عليه مآزره

قال: فطرب الأمير تميم ومن حضر طرباً شديداً، قال: ثم غنت:

أستودع الله في بغداد لي قمراً بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه

وهذا البيت لمحمد بن زريق الكاتب البغدادي، من جملة قصيدة طويلة.

قال الراوي: فاشتد طرب الأمير تميم وأفراط جداً، ثم قال لها: تمني ما شئت، فقال، أتمنى

عافية الأمير وسلامته، فقال: والله لا بد أن تتمني، فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟

قال: نعم، فقالت: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغدادفانتقع لون الأمير تميم وتغير وجهه وتكدر

المجلس، وقام وقمنا.

وقال ابن الأشكري: فلقيني بعض خدمه وقال لي: ارجع فالأمير يدعوك، فوجدته جالساً

ينتظرني، فسلمت عليه وقمت بين يديه، فقال لي: ويحك، ورأيت ما امتحنا به؟ فقلت: نعم

أيها الأمير، فقال: لا بد من الوفاء لها، ولا أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد،

فإذا غنت هناك فاصرفها، فقلت: سمعاً وطاعة.

قال: ثم قمت فتأهبت، وأمرها بالتأهب، وأصحبها جارية سوداء له تعادلها وتخدمها،

وأمر بناقة ةمحمل، فأدخلت فيه، وجعلتها معي، وصرت إلى مكة مع القافلة وقضينا

حجنا، ثم دخلت في قافلة العراق وسرنا، فلما وردنا القادسية أتتني السوداء، وقالت لي:

تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نزول القادسية، فانصرفت إليها وأخبرتها، فلم

أنشب أن سمعت صوتهاقد ارتفع بالغناء، وغنت الأبيات المذكورة، قال: فتصايح الناس من

أقطار القافلة: وأعيدي بالله أعيدي قال: فما سمع لها كلمة. قال: ثم نزلنا الياسرية، وبينها

وبين بغداد نحو خمسة أميال في بساتين متصلة، ينزل بها فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول

بغداد. فلما كان وقت الصباح وإذا بالسوداء قد أتتني مذعورة، فقلت: مالك؟ قالت: إن

سيدني ليست بحاضرة، فقلت: ويلك، وأين هي؟ قالت: والله ما أدري، قال: فلم أحسلها أثراً بعد ذلك، ودخلت بغداد وقضيت حوائجي منها، وانصرفت إلى الأمير تميم

فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم له غماً شديداً، ثم ما زال بعد ذلك ذاكراً لها واجماً عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير