فإن المشتركين اشتراكًا لفظيًا لا معنويًا كلفظ [المشتري] المقول على الكوكب والمبتاع، وسهيل المقول على الكوكب وعلى ابن عمرو، فإنه إذا سمعالمستمع قائلًا يقول له: جاءني سهيل بن عمرو، وهذا هو المشتري لهذه السلعة، لميفهم من هذا اللفظ كوكبًا أصلًا، إلا أن يعرف أن اللفظ موضوع له، فإذا لم تكنأسماؤه متواطئة لم يفهم العباد من أسمائه شيئًا أصلًا، إلا أن يعرفوا ما يخص ذاته، وهم لم يعرفوا ما يخص ذاته، فلم يعرفوا شيئًا.
ثم إن العلم بانقسام الوجود إلى قديم ومحدث وأمثال ذلك علم ضروري، فالقادح سوفسطائي.
وكذلك العلم بأن بين الاسمين قدرًا مشتركًا علم ضروري. وإذاقيل: إن اللفظ حقيقة فيهما، لم يحتج ذلك إلى أن يكون أهل اللغة قد تكلموا باللفظمطلقًا، فعبروا عن المعنى المطلق المشترك؛ فإن المعاني التي لا تكون إلا مضافة إلىغيرها: كالحياة والعلم، والقدرة والاستواء؛ بل واليد وغير ذلك مما لا يكون إلاصفة قائمة بغيره أو جسما قائمًا بغيره بحيث لا يوجد في الخارج مجردًا عن محله. ولكن أهل النظر لما أرادوا تجريد المعاني الكلية المطلقة عبروا عنها بالألفاظالكلية المطلقة، وأهل اللغة في ابتداء خطابهم يقولون ـ مثلا ـ: جاء زيد، وهذا وجهزيد؛ ويشيرون إلى ما قام به من المجيء والوجه، فيفهم المخاطب ذلك.
/ثم يقولون تارة أخرى: جاء عمرو، ورأيت وجه عمرو، وجاء الفرس، ورأيت وجه الفرس، فيفهم المستمع أن بين هذه قدرًا مشتركًا وقدرًا مميزًا، وأن لعمرومجيئًا ووجهًا نسبته إليه كنسبة مجىء زيد ووجهه إليه، فإذا علم أن عمرًا مثل زيد، علم أن مجيئه، مثل مجيئه، ووجهه مثل وجهه، وإن علم أن الفرس ليست مثل زيد بل تشابههمن بعض الوجوه، علم أن مجيئها ووجهها ليس مجيء زيد ووجهه، بل تشبهه في بعضالوجوه.
وكذلك إذا قيل: جاءت الملائكة ورأت الأنبياء وجوه الملائكة، علمأن للملائكة مجيئًا ووجوهًا نسبتها إليها كنسبة مجيء الإنسان ووجهه إليه، ثم معرفتهبحقيقة ذلك تبع معرفته بحقيقة الملائكة؛ فإن كان لا يعرف الملائكة إلا من جهةالجملة ولا يتصور كيفيتهم، كان ذلك في مجيئهم ووجوههم لا يعرفها إلا من حيث الجملةولا يتصور كيفيتها.
وكذلك إذا قيل: جاءت الجن، فاللفظ في جميع هذه المواضع يدل علىمعانيها بطريق الحقيقة، بل إذا قيل: حقيقة الملك وماهيته ليست مثل حقيقة الجنيوماهيته كان لفظ الحقيقة والماهية مستعملًا فيهما على سبيل الحقيقة، وكان منالأسماء المتواطئة، مع أن المسميات قد صرح فيها بنفي التماثل.
وكذلك إذا قيل: خمر الدنيا ليس كمثل خمر الآخرة، ولا ذهبها مثلذهبها، ولا لبنها مثل لبنها، ولا / عسلها مثل عسلها، كان قد صرح في ذلك بنفيالتماثل، مع أن الاسم مستعمل فيها على سبيل الحقيقة.
ونظائر هذا كثيرة؛ فإنه لو قال القائل: هذا المخلوق ما هو مثل هذاالمخلوق، وهذا الحيوان الذي هو الناطق ليس مثل الحيوان الذي هو الصامت، أو هذااللون الذي هو الأبيض ليس مثل الأسود، أو الموجود الذي هو الخالق ليس هو مثلالموجود الذي هو المخلوق، ونحو ذلك ـ كانت هذه الأسماء مستعملة على سبيل الحقيقة فيالمسميين اللذين صرح بنفي التماثل بينهما، فالأسماء المتواطئة إنما تقتضي أن يكونبين المسميين قدرًا مشتركًا، وإن كان المسميان مختلفين أو متضادين.
فمن ظن أن أسماء اللّه ـ تعالى ـ وصفاته إذا كانت حقيقة، لزم أنيكون مماثلًا للمخلوقين، وأن صفاته مماثلة لصفاتهم ـ كان من أجهل الناس، وكان أولكلامه سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه يقتضي نفي جميع أسماء اللّه ـ تعالى ـ وصفاته، وهذا هو غاية الزندقة والإلحاد.
ومن فرق بين صفة وصفة، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز، كانمتناقضًا في قوله، متهافتًا في مذهبه، مشابهًا لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض.
وإذا تأمل اللبيب الفاضل هذه الأمور، تبين له أن مذهب السلف والأئمة /في غاية الاستقامة والسداد، والصحة والاطراد، وأنه مقتضى المعقول الصريح والمنقولالصحيح، وأن من خالفه كان مع تناقض قوله المختلف، الذي يؤفك عنه من أفك، خارجًا عنموجب العقل والسمع، مخالفًا للفطرة والسمع، واللّه يتم نعمته علىنا وعلى سائرإخواننا المسلمين المؤمنين، ويجمع لنا ولهم خير الدنيا والآخرة.
¥