تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويجعل التفسير بالمأثور أساساً ومفتاحاً للتفسسير بالرأي. حتى إذا تبين معنى الآية الكريمة في ألفاظها وتراكيبها، مضى في بحث ما يتعلق بها من أحكام شرعية، فيذكر رأس المسألة، ثم يورد ما فيها من أقوال أهل العلم إجماعاً وخلافاً.

فإذا كانت موضع إجماع اكتفى بالنص عليه من غير أن يحكيه عن أحد من ناقلي الإجماع في الكثير من الأحايين، وإذا حكاه عن غيره فغالباً ما يكون ذلك الغير أبا بكر ابن المنذر أو أبا عمر ابن عبد البر.

أما إذا كانت المسألة موضع خلاف، فإنه يذكر المذاهب فيها، وأحياناً يقرن القول بما احتج به قائله من الأئمة، ولكنه لا يكتفي بحكاية الخلاف من دون أن يبين ما هو الصحيح من القول لديه، ولو خالف مذهبه (المالكي)؛ لما يراه من الدليل الأقوى، من غير أن يغمز أحداً من الأئمة بما يغض من قدره أو يبشع قوله، فيعطي بأدبه هذا أنموذجاً للجمع بين رد الأقوال والأدلة الضعيفة والشاذة عن سنن الصواب، وبين حفظ قدر أهل العلم وما يجب لهم من الاحترام، شأن ابن عبد البر، وابن قدامة المقدسي، وغيرهم من العلماء الكبار.

والقرطبي لا يتقيد في تخريج الأحكام التي بثها في كتابه، بما دلت عليه ألفاظ الكتاب العزيز، بل يتوسع فيستوفي أحياناً رؤوس مسائل الباب الذي يرد ذكر اسمه في الآية، أول مرة بحسب ترتيب المصحف، ثم يحيل عليه بعد ذلك حيثما تكرر، كألفاظ: الصلاة والصيام والحج، واليمين والنذر والصيد والذكاة، والبيع والربا والمداينة والرهن والكفالة والوصية والهبة والوقف.

فعلى سبيل المثال: أول ما ورد لفظ (الصلاة) في ترتيب المصحف، في قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (4) سورة البقرة، رسم في هذه الآية ثلاثاً وأربعين مسألة في بيان الكثير من أحكام الصلاة، وأول ما ورد لفظ (السكنى) في قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة (35) سورة البقرة، رسم في ذلك ثلاث عشرة مسألة، تكلم فيها عن أحكام السكنى والعمرى والرقبى.

وحيثما يكن الحكم مستنبطاً من اللفظ، وهو الموضوع الحقيقي لأحكام القرآن الكريم، فإن القرطبي ينقل أولاً ما ذكره من تقدمه من المصنفين في هذا المجال، كالقاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي: وأبي عبدالله بن محمد بن خويز مشداد، وقاسم بن أصبغ، ومنذر بن سعيد البلوطي من المالكيين، وإلكيا الهراسي الطبري الشافعي، وأبي بكر الرازي الجصاص الحنفي، وأبي ثور، وأبي جعفر الطحاوي، وغيرهم. وكاد يستوعب أحكام القرآن للقاضي أبي بكر ابن العربي المعاقري الإشبيلي (ت 543هـ).

والحق أن الجامع لأحكام القرآن من أعز ما زخرت به مكتبة التفسير، بما اشتمل عليه من تفصيل أحكام القرآن، وبيان ما في ألفاظه من وجوه القراءات والإعراب، وبسط المعاني مقرونة بشواهدها من أشعار العرب، بله ما تمم به المباحث التي يطرقها، من النكت اللغوية واللطائف النحوية والصرفية، والأرجح لمذهب أهل السنّة والذب عن مهيعهم، والرد على الملاحدة وأهل البدع والأهواء.

كل ذلك مع ما ألان الله له من حسن التصنيف، وجودة الصناعة في البيان والتأليف.

فجاء هذا التفسير بهذه الصورة الجميلة المشتملة على علوم شتى غزيرة، وفنون عدة وفيرة، دليلاً على الشأو البعيد الذي بلغه صاحبه في التبحر وسعة الاطلاع، على حد ما وصفه به الذهبي إذ قال: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله.

ميزات هذه الطبعة

إن مما يقتضيه حق الاعتراف بفضل السابق على اللاحق، أن أشير إلى أن تفسير القرطبي طبع اول مرة عام 1933م، ثم أعيد طبعه مرتين، وأشرفت دار الكتب المصرية على نشره في طبعاته الثلاث، فإليها يعود الفضل في ذلك.

وقد بذل المحققون فيها جهداً واضحاً في تقديم الكتاب بالشكل اللائق به من حسن الترتيب والعرض، مع ترقيم وتفصيل يعين القارئ على فهم المعنى، فجزاهم الله خيراً.

وسوف يجد القارئ الكريم في هذه الطبعة الجديدة، فوائد وزوائد تزيد في خدمة الكتاب وتيسيره لطلاب العلم إن شاء الله، بالمقارنة مع الطبعة المصرية في صورتها الثالثة التي تم الاعتماد عليها في تصحيح الكتاب على ست نسخ خطية أخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير