تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولاً: إن من هديه عليه الصلاة والسلام عدم السكوت على الإخلال بالدين لا سيما في العقيدة ولو كان على مشارف بلد العدو، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لمن كان معه في الحديبية على إثر سماء كانت بالليل بأن من قال: مطرنا بفضل كذا وكذا فذلك كافر بالله مؤمن بالكواكب ()، كما في حديث زيد بن خالد،هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: فقد رد عليه الصلاة والسلام على الذين أرادوا أن ينيطوا أسلحتهم بسدرة مروا بها، وقد كان المشركون يفعلون ذلك فقال لهم: (الله أكبر قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون) () مع إنهم كانوا مستقبلين غزوة حنين، وهم حدثاء عهد بكفر، فصحح لهم النبي صلى الله عليه وسلم غلطهم، ولم يكن خروجهم للغزو مبرراً للإغضاء من تصحيح فساد العقائد.

وقد أجرى الطرطوشي العلة في أخواتها لتدور مع معلولها وجوداً وعدماً فقال: (فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، وينوطون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها) ولأبي شامة نحو ذلك ().

ونحن نريد هنا أيضاً قطع كل فكرة زائفة أصبحت مناطاً لتعليق جملة من الخرافات العلمية والعملية عليها، حين يمر عليها العامة وينوطون بها رغباتهم فما أشبهها بذات أنواط من هذه الحيثية.

ثانياً: إن المشروع المتكامل للتصدي للمصائب العظيمة ومناوأة الأعداء يهتم في حيثياته بالتصحيح الشامل أيضاً، وتغيير كثير من الانحرافات، ولا يغفل جانباً من جوانبه، وإلا إذا أهملنا بعض المهمات بهذه الحجة ولم نصب هدفنا نكون قد خسرنا، فلا العدو كسرنا، ولا الحق نصرنا، وربما كان التصوف ثمرة للواقع الذي عاشته الأمة، ونفذ من خلاله النفوذ الأجنبي قديماً وحديثاً في بث سمومه، وتشويه الفكر الإسلامي، وكأن الوراثة النبوية عاجزة عن الضمان للوصول إلى المقصود؛ ولذا فقد تسلل من خلال التصوف المندسون لواذاً لتحقيق أهدافهم بتقديمه كخطاب مرضي عنه لا يتصل بالحكم الإسلامي، بل كان من بعض ما حواه هذا الفكر غرس الرضا بالواقع المرير، وتعليق أمر النجاة منه بقدرات الأقطاب وغير ذلك من ركام وأخطاء قاتلة.

لذا فلا بد من التصحيح الشامل ومنه تصحيح الانحراف في التصوف، وبه فلنبدأ، قال شيخ الإسلام: وبلغنا أن أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة من أبي الحسن الآمدي، وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا، مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحراً في العلوم الكلامية والفلسفية منه، وكان من أحسنهم إسلاماً وأمثلهم اعتقاداً ().

وهؤلاء الذين تحملوا أعباء الفكر الصوفي وأورثوا مشارب متعددة مزيجها الفلسفة، ولا تخلو من استدلالات بالنصوص الشرعية ندعوهم لتحكيم كتاب الله Q وسنة نبيه في هذه الأقاويل، ولا يحملنهم شفاعة الأولياء التي يزعمونها، وسيرهم خلف ركاب القوم على الإعراض عن هذه الدعوة، كما لا يغرنهم ما تلقوه من خوارق عظيمة، فإنها لا تغني شيئاً.

وإن نفراً أرعدت أنوفهم فجعلوا يحاجون عنهم فيما علموه من سيرة أرباب الزهد ينبغي عليهم ألا يحاجوا في ما ليس لهم به علم، مما جاء صريحاً في الطبقات وغيرها من سلوك هؤلاء المتصوفة الذين نحن واردون عليه.

والفرقان بين هؤلاء وأولئك - الزهاد وغيرهم - معارضة الشرع بالذوق والكشف حيث نادوا بالتسليم للأولياء مطلقاً، فمهما عارض كشفهم وذوقهم ورؤاهم النصوص أخذوا به من غير مراعاة لها، وأمثلهم طريقة من عدا عليها بالتأويل، ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله: هو الاستسلام له وحده، والإخلاص له بالعبودية والانقياد لما جاء به رسوله، فلا يجد المسلم إلى خلاف النص سبيلاً ألبتة، قال ابن القيم: (ولله على كل قلب هجرتان، وهما فرض لازم له على الأنفاس: هجرة إلى الله تعالى بالتوحيد والإخلاص والإنابة والحب والخوف والرجاء والعبودية، وهجرة إلى رسوله بالتحكيم له والتسليم والتفويض والانقياد لحكمه ... ومن لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فليحث على رأسه الرماد وليراجع الإيمان من أصله) ().

.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير