تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال حفظه الله ورعاه في مطلع تقريظه: "من نافلة القول التأكيد على أثر شيخي الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى في ميدان الأبحاث المتعلقة بأصول الدين الإسلامي وقواعد عقائده، والحق أنه لا يعرف في علماء الإسلام من بلغ شأوهما في هذا الميدان الفسيح، فقد نذرا أنفسهما لتقرير الحق ونصرته، والدفاع عن حوزته، ودحض شبهات المبطلين، وملاحقة المبتدعة الضالين، وكتبهما طيب الله ثراهما سارت مسير الشمس، وملأت السهل والجبل .. " إلى أن قال الشيخ: "أما أبحاث الإمام ابن القيم في أصول الدين وتقرير قواعد العقيدة السلفية والانتصار لأساليب القرآن ونقض أساليب المتكلمين والفلاسفة في هذا الباب فحدّث عن البحر ولا حرج، وهو في نظري أرصن أسلوباً، وأتقن ترتيباً، وأشرق بياناً من شيخه شيخ الإسلام، إلا أن هذا بحر زاخر تمتزج فيه المعارف والبراهين امتزاجاً يتحير معه الذهن أحياناً، فلذلك يكثر استطراده فيضطر أحياناً للتوقف عن الاندفاع والرجوع إلى الموضوع، بينما تلميذه الإمام يحافظ على الموضوع وتسلسله في ترتيب وتناسق عجيبين .. "الخ.

أقول: وما ذهب إليه الشيخ أبو خبزة وارتضاه هو نفسه ما سطره بعض أهل العلم قدامى ومحدثين في وصفهم أسلوب ابن القيم بالحسن والجمال في السَّوْق والصياغة والحرص على عذوبة الألفاظ ورونقها وتهذيبها وتحليتها وتقديمه على من سواه في ذلك.

فهذا الحافظ ابن حجر العسقلاني يقول في ترجمته لابن القيم من كتابه 'الدرر الكامنة': " .. وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وهو طويل النفس فيها يتعانى الإيضاح جهده، فيسهب جداً، ومعظمها من كلام شيخه يتصرف في ذلك، وله في ذلك ملكة قوية .. "الخ.

وهذا العلامة الشوكاني يقول في كتابه 'البدر الطالع' في ترجمته أيضا لابن القيم بعد أن ساق كلام الحافظ ابن حجر: " .. وله من حسن التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق ما لا يقدر عليه غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب، وليس له على غير الدليل معول في الغالب .. "الخ.

ويقول الأستاذ محمد أبو زهرة في مصنفه عن شيخ الإسلام ابن تيمية، عند الحديث عن تلميذه ابن القيم: " .. ولم تكن كتابته في حومة الجدل كأكثر كتابات شيخه، بل كانت كتابته في هدأة واطمئنان، ولذلك جاءت هادئة، وإن كانت عميقة الفكرة، قوية المنحى، شديدة المنزع، وكانت حسنة الترتيب، منسقة التبويب، متساوقة الأفكار، طلية العبارة، لأنه كتبها في اطمئنان، وتجمع كتابته جمعاً متناسباً بين عمق التفكير وبعد غوره، ونصوع العبارة وحسن استقامة الأسلوب، من غير ضجة ألفاظ، ولعل أوضح مثل لذلك كتابه 'مدارج السالكين'، وكتابه 'عدة الصابرين'، وكتابه 'مفتاح دار السعادة'؛ فهي الفلسفة المحكمة العميقة، والجمال الفني في التعبير المحكم المستقيم.

وكانت كتابته مع كل هذا فيها نور السلف، وحكمة السابقين، فهو كثير الاستشهاد بأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وإن كان في ذلك دون شيخه، ولكنه على أي حال نزح من معينه، واستقى من العين الثّرة التي فتحها هو وغيره، رضي الله عنهم أجمعين".

كما يقول الأستاذ الداعية أبو الحسن الندوي في مؤلفه 'رجال الفكر والدعوة في الإسلام' في الجزء الخاص بحياة شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو يتحدث عن ابن القيم: " .. تمتاز مؤلفاته بحسن الترتيب، وجودة التأليف، وهي تفوق في هذا المجال مؤلفات شيخه ابن تيمية أيضا، وهي بجانب ذلك تتميز برقة الأسلوب، وسلاسة العبارة وتأثيرها، ولعل ذلك جاء من قبل نفسه التي تجلّت بالجمال أكثر منها بالجلال .. "الخ.

كما سمعتُ من بعض الإخوة -والعهدة عليه- أن معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى ينحو هذا النحو .. في جماعة آخرين من أهل العلم والفضل.

أفَيُتَّهَمُ هؤلاء جميعا بلمز ابن تيمية لكونهم وصفوا أسلوب تلميذه ابن القيم بما وصفوه به؟ وقد صرح بعضهم بما قاله الشيخ أبو خبزة، والمسألة كلها لا تستدعي هذه الوقفة الطويلة، وإشعال هذه الحرب، وصدق من قال: العلم نقطة وسعها الجهال.

إن الأمور إذا الأحداث دبّرها **** دون الشيوخ ترى في سيرها الخللا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير