تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الآداب، فتلك السنوات الست كانت سببا في ترسيخ عقائد الإسلام، وقواعد الدين في قلوبنا وعقولنا، وكنت في نفس الوقت الذي أزاول فيه الدراسة بمدرسة "القدس الشريف" أتابع نشاطات دينية تعليمية بمسجد "النور" بحي الثغاريين (نسبة لأهل الثغور الذين كانوا قديما يسكنون بتلك المنطقة ابتداء من القصبة فوق دار السلطان)، فترعرعنا على يدي أساتذة ومدرسين وشيوخ مثل الشيخ:" كمال الدين وغيره من الأساتذة الكرام " وكذلك بالمسجد القديم الأمير عبد القادر بتيلملي فتعلمنا من مشايخ الدعوة كالشيخ الفاضل "أحمد" إمام المسجد وتلميذ الشيخ "عبد الرحمن الجيلالي"، وكالأخ الحبيب والشيخ الكريم "حسين عبد الرحيم" ممن تربوا وترعرعوا على يدي رجال جمعية علماء المسلمين رحمهم الله تعالى وجزاهم الله تعالى خير الجزاء على حسن تربيتهم، وسليم توجيهاتهم، فقد كانوا حقا ممن حفظوا على النشأ والصغار هويتهم بتلك المدارس والمساجد الصالحة بسبب دروسهم النافعة فانتفع منهم الشباب والشيوخ في منطقتنا، ثم تعرفنا بعد أن كبرنا قليلا على الشيخ المبارك "جبروني" رحمه الله تعالى المسمى الشيخ "الأخضر" وهو تلميذ الشيخ العلامة الرباني زعيم الأمة ابن باديس وغيره من مشايخ جمعية علماء المسلمين رحمهم الله تعالى أجمعين فقد كانوا حقا من بقايا السلف، وأهل الخير والتقوى، و من عمار المساجد بالدعوة والتعليم، والإرشاد والتوجيه، قد كان الشيخ جبروني (الأخضر) رحمه الله تعالى منارة خير، يعمر وقته و وقت غيره بتدريس موطأ مالك تسميعا وتبسيطا، و وشرحا وتوضيحا، وكذا صحيح مسلم وغيره من الكتب، ولكن للأسف كان ذلك الجهد الكبير في نطاق ضيق جدا، بسب التضييق عليه من طرف الشيوعيين آنذاك في السبعينات، فالحمد لله والمنة أن قيض لنا رجالا صالحين علمونا توحيد الله ودين المرسلين، وحفظوا لنا هويتنا الإسلامية، وشخصيتنا السنية، فقضينا مرحلة الطفولة في أحضان هؤلاء المشايخ الكرام الأساطين في المسجد، وبين أساتذتنا الأجلاء في المدرسة الإبتدائية، فلما بلغت 12سنة تحولت إلى مدرسة المتوسطة "ميناني" بشارع "ميسونيي قديما" فكنا نحضر المحاضرات القليلة جدا التي كانت تبرمج من حين لأخر في بعض المساجد من طرف الطلبة ونستفيد من توجيه مشايخ الدعوة السنية، ولقد كانت المحاضرات قليلة بسبب ما ذكرناها آنفا، فمكثنا بتلك المتوسطة أربعة سنوات كاملة ندرس فيها العلوم الأكاديمية، فتعلمنا العلوم المدنية، والمواد العلمية الأخرى، والمؤسف جدا أن تلك الإيمانيات الربانية والحلقات النافعة، والتربية الصالحة التي اعتدناها وألفناها التي قلت بنسبة90 بالمائة حتى لا أقول انعدمت تماما، فبالله عليكم ماذا تفعل ساعة واحدة يتيمة لمادة التربية الإسلامية في الأسبوع، وازدادت الأمور تأزما لما وقعت الأحداث الإسلامية بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة فوقع اضطراب كبير في الأوساط الدينية فعصفت تلك الفتنة بالبلاد في بداية الثمانينات التي سجن الدعاة والعلماء على إثرها فبقينا بلا مركزية ولا محور يضبط الحركات الإسلامية ويجمع شتاتها ويوجه مسارها وينير طريقها، وأما نحن كطلبة كنا صغارا لا نفهم المسائل الكبرى التي تتعلق بالأحكام السلطانية إلا أن ثقتنا كانت كبيرة في علماءنا كالشيخ عبد اللطيف سلطاني ومن معه من رجال الدين والصلاح وخاصة لمطالبهم التي كنا نراها عاقلة وشرعية وعادلة وسلمية لا عنف فيها فشاركنا معهم بالحضور والوقوف في صفهم فالله المستعان وعليه التكلان، ولما بلغت السادسة عشر انتقلت إلى الثانوية وانفتح الطلبة على الحضارة الغربية وما تحمله من شر وخير في آدابها وأفكارها وقناعاتها، فأصابنا نوع من الطيش بسبب انبهار المسلمين وخاصة الشباب بما عند القوم من الرقي المادي والازدهار الدنيوي، وكما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: [الشباب شعبة من الجنون> فتعرفنا على سلبيات القوم، وأخلاقهم الفاسدة، ونمط حياتهم البائسة، فرحلت على إثرها إلى فرنسا في رحلة سياحية، فرأيت عن قرب عجائب القوم ومخازيهم الفاضحة، وفواحشهم القبيحة في الطرقات والممرات فسقطوا من عيني، وتبين لي حقيقة زيغهم المزخرف، وانحرافهم المزين بالتمدن وابتعادهم عن القيم الإنسانية، وفسادهم المعنوي والديني والدنيوي بكل ما تحمله الكلمة من وصف ومعنى، ولقد كنت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير