ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: [فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإنَّ الله يصلح بين المؤمنين]. (ضعيف الترغيب والترهيب)
لأهمية الإصلاح أباحت الشريعة الكذب لأجله:
عن أُمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:» ليس الكذَّاب الذي يُصلح بين الناس، فيَنْمي خيرا أو يقول خيراً «متفق عليه.
وفي رواية مسلمٍ زادتْ:» ولم أسمعه رخَّصَ في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني الحربَ، والإصلاحَ بين الناس، وحديثَ الرجل امرأته، وحديثَ المرأة زوجها «.
لا ينجو يوم القيامة إلا صاحب القلب السليم:
قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: [ولا تخزني يوم يُبعثون* يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم]. والمراد بالقلب السليم هاهنا: ذلك القلب الذي سلم من الشرك كبيره وصغيره، وسلم من النفاق والبدعة، ومن الغل والحسد على إخوانه المؤمنين.
ولذا كان أصحاب الجنة متصفين بهذه الصفة: [ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سُرر متقابلين].
أحاديث في سلامة الصدور:
- عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنْطف لحيته ماءًا من وضوئه معلَّق نعليه في يده الشمال… فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع ذلك الرجل على مرتبته الأولى… فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع ذلك الرجل على مرتبته الأولى!!
فلما قام رسول الله اتَّبعه عبد الله بن عمرو بن العاصي فقال:
إني لاحيتُ أبي، فأقسمتُ أن لا أدخلَ عليه ثلاث ليالٍ؛ فإنْ رأيت أن تؤويني إليك حتى تحلَّ يميني فعلتُ. فقال: نعم.
قال أنس: فكان عبد الله بن عمرو بن العاصي يُحدِّث أنه بات معه ليلةً أو ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل بشيء غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر فيسبغ الوضوء.
قال عبد الله: غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال كدتُ أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنه لم يكن بيني وبين والدي غضبَ هِجْرةٍ، ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟
قال: ما هو إلا ما رأيتَ، فانصرفتُ عنه، فلما وليتُ دعاني فقال: (ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد في نفسي غلاً لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خيرٍ أعطاه الله إياه!).
قال عبد الله بن عمرو: (هذه التي بلغتْ بك، وهي التي لا نطيق).
- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب؛ ولكن في التحريش بينهم). رواه مسلم.
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً). خرَّجه مسلم.
-وعن أبي خراش السلمي عند أحمد وأبي داود والحاكم وصححه،ووافقه الذهبي؛ يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم: (من هجر أخاه سنةً كان كسفك دمه). (صحيح الترغيب والترهيب)
سلامة الصُّدور من منازل إياك نعبد وإياك نستعين:
-وقد عدَّ ابن القيم - رحمه الله - سلامة الصَّدر، من منازل إياك نعبد وإياك نستعين في كتابه» مدارج السالكين «، وقال:
(ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظرْ إلى سيرة النبيصلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها).
لماذا؟ لأنَّ الله بعث الله محمداً رضي الله عنه رحمةً وهدى، فلقد وَسِعَ خلقه الناس سهولةً ورفقاً، ونضحتْ يداه بالعطايا كرماً وجوداً، أبرّهم قلباً، وأصدقهم لهجةً، وأقربهم رحماً.
وإنَّ من أخصّ خصائصه وأكرم سجاياه؛ أنْ لازمته تلك الفضائل الزاكية، والأخلاق العالية في أشدّ الأوقات وأحلك الظروف، شُجّ رأسه، وكُسرت رباعيته في غزوة أحد، فقيل له في هذا الحال العصيب: ألا تدعو على المشركين؟ فما هو إلا أن تدفّق رفقه، وطغت رحمته، وفاضت طبيعته العالية وسجيته الكريمة بما يلتمس فيه العذر لهؤلاء، فكان مما قال:» اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون «.
¥