وقال في مقام آخر:» إنّما بُعثت رحمةً ولم أبعث لعّاناً «وصدق الله العظيم: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}.
النبي صلى الله عليه وسلّم وسلامة الصَّدر:
يكفى أنْ نذكر مثالين على ذلك:
1 - ثبت في» الصحيحين «من حديث أنس بن مالك قال:
(كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فجبذه بردائه جبذةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدة جبْدته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك!! فالتفتَ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم ضحك، ثم أَمَرَ له بعطاء).
إنها القلوب الكبيرة قلّما تستجيشها دوافع القسوة عن التعقّل والحِلم، إنها إلى العفو والصفح أقرب منها إلى الانتقام والبطش.
2 - أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
» بال أعرابي في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم: دعوه لا تزرموه، وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء - أي دلواً من ماء - فإنّما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، وسكنوا ولا تنفروا «.
زاد الترمذي:» ثم قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً. فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم لقد تحجّرت واسعاً «. أولئك هم رسل الله عليهم الصلاة والسلام، عنوان الرحمة والشفقة، والقدوة في الصفح والمغفرة.
الأنبياء الكرام - عليهم الصلاة والسلام - من أصحاب القلوب السليمة:
نوح عليه السلام:
هاهو - أبو الأنبياء - نوح عليه السلام يقول في مجادلته لقومه: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكنِّي رسولٌ من ربِّ العالمين. أبلَّغكم رسالات ربِّي وأنصحُ لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون. أَوَ عجبتم أنْ جاءكمذِكرٌ من ربِّكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون}.
إنّه جواب مملؤه الرحمة والشفقة والصدق في النصح واللطف في الخطاب.
موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام:
وليس بعد طغيان فرعون من طغيان وقد قال الله لموسى وهارون عليهما السلام: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليّناً لعلَّه يتذكّرُ أو يخشى}. إنها القلوب الكبيرة قلّما تستجيشها دوافع القسوة عن التعقّل والحِلم، إنها إلى العفو والصفح أقرب منها إلى الانتقام والبطش.
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم من أعظم الناس سلامةً للصدُّور:
هكذا هم أصحاب القلوب الكبيرة، التي لا تعرف الغلَّ أو الحقدَ أو الحسدَ ... وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهاك أمثلةٌ سريعة:
1 - قال أبو الدرداء رضي الله عنه:
كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبتيه! فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: (أمّا صاحبكم فقد غامر!). فسلَّم، وقال: يا رسول الله! إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء! فأسرعتُ إليه ثم ندمتُ! فسألته أنْ يغفر لي، فأبى عليَّ! فأقبلتُ إليك ... فقال: (يفغر الله لك يا أبا بكر؛ ثلاثاً).
ثم إنَّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا.
فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فجعل وجهُ النبي صلى الله عليه وسلّم يتمعّر! حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه! فقال: (يا رسول الله! والله أنا كنت أظلم)؛ مرتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: (إنَّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبتَ! وقال أبو بكر: صدق ... وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي)؛ مرتين ... فما أُوذي بعدها. خرَّجه البخاري.
2 - عن عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه أنَّ أبا سفيان أتى على سلمان، وصهيب، وبلال، في نفرٍ، فقالوا: (ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها).
فقال أبو بكر رضي الله عنه: (أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟!). فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: (يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك!).
فأتاهم فقال: (يا إخوتاه! آغضبتكم؟). قالوا: (لا، يغفر الله لك يا أُخَيّ).رواه مسلم
وهذا الحديث أصلٌ في مشروعية التسامح والتصافح.
3 - وقال ابن عباس بعد أن شتمه رجل:
¥