(إنك لتشتمني وفيَّ ثلاثُ خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله عز وجل فلوددتُ أنّ جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ... وإني لأسمع بالحاكم من حكَّام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به، ولعلّي لا أُقاضي إليه أبدًا ... وإني لأسمع أنّ الغيثَ قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، وما لي من سائمة!).
4 - وهذا أبو دجانة رضي الله عنه:
دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له: ما لوجهك يتهلل؟
فقال: (ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنتين:
كنت لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا).
5 - وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
دخل عليه عمران بن طلحة بن عبيد الله بعد وقعة الجمل - وقد استشهد أبوه طلحة رضي الله عنه؛ فرحّب به، ثم أدناه، ثم قال: (إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخوانًا على سررٍ متقابلين}.
6 - ولقد سار العلماء الربانيون على هذا الهدي، وتلك الطريقة، من الصفح والعفو وسلامة الصدر: قال ابن القيم رحمه الله -:
(وما رأيت أحدًا قطُّ أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدّس الله روحه -، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: (وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه! وما رأيته يدعو على أحدٍ منهم قطُّ، وكان يدعو لهم).
قال: (وجئت يومًا مبشّرًا له بموتِ أكبر أعداءه، وأشدّهم عداوةً وأذىً له، فنهرني، وتنكّر لي واسترجع. ثم قام من فوره إلى أهل بيته - أي ذلك الخصم الذي مات - فعزّاهم، وقال: (أنا لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه) ... فسُّروا به ودعوا له، وعظّموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه).
إنَّ الرجل العظيم كلما ارتفع إلى آفاق الكمال اتّسع صدره وامتدّ حلمه، وتطلّب للناس الأعذار، والتمس لأغلاطهم المسوغات، وأخذهم بالأرفق من حالهم.
ويحسن بي في هذا المقام أن أذكر موقفاً طالما سمعناه في الفترة الماضية، وأكثر العلماء والباحثون من التنويه بشأنه، ألا وهو موقف سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى - مع ذلك الرجل الخرجي الذي سبَّه وأغلظ له القول، وملخص الموقف:
أنَّ رجلاً من أهل الخرج سبَّ الشيخ ابن باز - رحمه الله - وأغلظ له في القول إبان توليه قضاء الخرج (1357 - 1371هـ)، واشتهر ذلك الأمر في البلد، وما مضى وقت يسير إلا وخرج الشيخ إلى الحجِّ على عادته، فأراد الله في هذه الفترة أن يختار وديعته، فمات ذلك الرجل أثناء سفر الشيخ إلى الحج ! فلمَّا قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه أبى إمام الجماعة أن يصلي عليه، وقال: هذا الذي سبَّ الشيخ وأغلظ له القول فلا أُصلِّي عليه! فتقدَّم أحد الناس فصلَّى عليه.
فلمَّا رجع الشيخ من الحج وسمع بالخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرتض ما صنع… ثم إنه سأل عن قبر الرجل، فأتاه فصلَّى عليه في المقبرة ثم دعا له.
أمور تساعدك على سلامة الصدر، وهي من مظاهر سماحة النفس:
1 - أن تقرّب من يعصيك.
2 - أن تكرم من يؤذيك.
3 - أنْ تعتذر إلى من يجني عليك.
4 - ترك الخصومة.
5 - التغافل عن الزلة.
5 - نسيان الأذية.
استصحب الرِّفق واللين من غير مداهنة ولا مجاملة:
إنّ حقاً على المسلمين جميعاً أن يستصحبوا الرفق واللين في الأمر كله من غير مداهنة ولا مجاملة، ومن غير غمط ولا ظلم.
إنّ على الأب الشفيق والأم الرؤوم، وإنّ على الأزواج وأصحاب المسئوليات أن يرفقوا بمن تحت أيديهم، لا يأخذون إلا بحق، ولا يدفعون إلا بالحسنى، ولا يأمرون إلا بما يُستطاع: {لا يُكلِّفُ الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا}.
ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، ولا نزع من شيءٍ إلا شانه، وإنّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، بذلك صحّت الأخبار عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم.
اقبل الميسور من أخلاق الناس:
إنّ العقل والحكمة والمعرفة بطبائع الأمور تقتضي تقبُّل الميسور من أخلاق الناس، والرضا بالظاهر من أحوالهم، وعدم التقصّي على سرائرهم أو تتبع دخائلهم، كما تقتضي قبول أعذارهم والغض عن هفواتهم، وحملهم على السلامة وحسن النية. إذا وقعت هفوة أو حصلت زلة فليس من الأدب وليس من الخلق الحسن المسارعة إلى هتكها والتعجل في كشفها فضلاً عن التحدث بها وإفشائها.
¥