تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإنسان المسرف على نفسه مثل النغمة النشاز التي تشذ عن أنشودة الكَوْن، أو هي المتسابق الذي يسير في عكس اتجاه الكوكبة، أو هو المصلي الذي يصلي في اتجاه مقابل للقبلة مخالفاً لباقي المصلين.

فلو تذكر الإنسان أنه ليس وحده في هذا الكون، ولو التفت يميناً وشمالاً، ورفع بصره وخفضه، ورأى آيات الله في الآفاق والأنفس، لرأى مخلوقات مقبلة على شأنها، قائمة بحق ربها، فيقبل مثلها على شأنه وينظر في أمر ربه فيلزمه، عند ذلك يشعر بالأُنس، وتزول عنه الغربة التي يشعر بها غيره، فكيف إذا ترقى من الشعور بالأُنْس مع المخلوقات إلى الأنس بالخالق، فيأنس إلى ربه عندما يشعر أن الله (تعالى) معه، يشهده وينظر إليه، وأن الله (تعالى) معه، يحفظه ويرعاه، وهذه هي جنة الدنيا التي من دخلها دخل جنة الآخرة ـ بإذن الله ـ.

والآن: وبعد أن استعرضنا هذه الحوافز: لا بد أن نؤكد في الأخير أن تجديد الإسلام في حياة المسلم مشروع كبير، وحتى ينجح أي مشروع لا بد أن يمر بثلاث مراحل: الأولى: التفكير والتنظير، والثانية: التخطيط والبرمجة، والثالثة: التنفيذ والمحاسبة.

فالتوبة التي تصحح سير المسلم إلى ربه مشروع ما بعد الهداية، فليضع له المسلم ما يحتاج إليه من أهداف وبرامج، وهذا الشق العملي لا يُقَال، بل يمارس ويطبق.

نسأل الله (تعالى) أن يرزقنا الإخلاص في القصد، ويلهمنا الصواب في العمل.

الهوامش:

1) سنن أبي داود، كتاب السنة، ح /4607، وصححه الألباني.

2) صيد الخاطر، ص 597.

3) ص 372.

*) ابن الجوزي عالم وواعظ مشهور، غير أن له بعض السقطات في كتابه صيد الخاطر، انظر: (تهذيب صيد الخاطر) للأستاذ محمود الحداد، وأما عقيدته: فهو يميل إلى الأشعرية، وقد ضمنها تفسيره، وللوقوف على أخطائه العقدية: انظر: رسالة د/ محمد الغمراوي عن (التفويض عند المفسرين لآيات الصفات)، أما بحث عقيدته وتسليط الأضواء عليها: فانظر: كتاب (اتحاف أهل الفضل والإنصاف بنقض كتاب ابن الجوزي دفع شبه أهل التشبيه) للشيخ سليمان العلوان، وكذلك كتاب (الصواعق والشهب المرمية على ضلالات السقاف البدعية) للشيخ عبد الرحمن بن يوسف الرحمة.

ـ[لطفي مصطفى الحسيني]ــــــــ[24 - 07 - 10, 02:03 م]ـ

قال ابن الجوزي:

"تفكرت في نفسي يوماً محققاً، فحاسبتها قبل أن تحاسب، ووزنتها قبل أن توزن ... ولقد تفكرتُ في خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعاً، ولو كشف للناس بعضها لاستحييت، ولا يعتقد معتقد أنها من كبائر الذنوب حتى يظن بي ما يظن في الفساق، بل هي ذنوب قبيحة في حق مثلي، وقعت بتأويلات فاسدة ... أف لنفسي! وقد سطرت عدة مجلدات في فنون العلم وما عبق بها من فضيلة، إن نُوظِرَتْ شَمَخَتْ، وإن نوصحت تعجرفت، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم وسقوط الغراب على الجيف ... أف والله مني اليوم على وجه الأرض وغداً تحتها!، والله إن نتن جسدي بعد ثلاث تحت التراب أقل من نتن إخلاقي وأنا بين الأحباب ... وغداً يقال: مات الحبر العالم الصالح، ولو عرفوني بحق معرفتي ما دفنوني ... والله لأنادين على نفسي نداء المكشِفين معايب الأعداء، ولأنوحن نوح الثاكلين للأبناء ...

واحسرتاه على عُمْر انقضى فيما لا يطابق الرضى، واحرماني من مقامات الرجال الفطناء، يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وشماتة العدو بي، واخيبة من أحسن الظن بي إذا شهدت الجوارح عَليّ، واخذلاني عند إقامة الحجة، سخر ـ والله ـ مني الشيطان وأنا الفطن «.

ثم يختم هذه المعاتبة بقوله:» اللهم توبة خالصة من هذه الأقذار، ونهضة صادقة لتصفية ما بقي من الأكدار «.

كلام نفيس، و ما أشبه أحوالنا بهذا بل أشد فإنا ما بلغنا عشر معشار معشار ما بلغه عليه رحمة الله،

نسأل الله السلامة والعافية.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير