قَالَ الطبراني عقبه: ((لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث عن مُحَمَّد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد بِهِ ابنه: عَبْد الله)).
والحق أن هَذَا الْحَدِيْث لا يصلح للاستشهاد، فضلاً عن أن يشد عضد رِوَايَة العلاء؛ إذ هُوَ مسلسل بالضعفاء والمجاهيل: بدءاً من شيخ الطبراني وَهُوَ: أحمد بن مُحَمَّد بْن نَافِع، لَمْ أقف لَهُ عَلَى ترجمة، إلا مَا أورده الذهبي فِي ميزان الاعتدال29 وَقَالَ: ((لاَ أدري مَنْ ذا؟ ذكره ابن الجوزي مرة وَقَالَ: اتهموه. كَذَا قَالَ لَمْ
يزد)) 30.
وعبد الله بن المنكدر – المتفرد بهذا الْحَدِيْث –، قَالَ فِيْهِ العقيلي: ((عن أبيه، ولا يتابع عَلَيْهِ)) 31.
وَقَالَ الذهبي: ((فِيْهِ جهالة، وأتى بخبر منكر)) 32. وَقَالَ مرة: ((لا يعرف)) 33.
والمنكدر بن مُحَمَّد – الَّذِيْ لَمْ يرو هَذَا الْحَدِيْث عن أبيه غيره – قَالَ فِيْهِ أبو حاتم: ((كَانَ رجلاً صالحاً لا يقيم الْحَدِيْث وَكَانَ كثير الخطأ، لَمْ يَكُنْ بالحافظ لحديث أبيه)) 34. وَقَالَ النسائي: ((ضعيف))، وَقَالَ مرة: ((ليس بالقوي)) وبنحوه قَالَ أبو زرعة 35. وَقَالَ ابن حبان: ((قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان، فكان يأتي بالشيء الَّذِيْ لا أصل لَهُ عن أبيه توهماً)) 36. وَقَالَ الذهبي: ((فِيْهِ لين)) 37.
وبهذا تبين أن الشاهد غَيْر صالح للاعتبار، فهو جزماً من أوهام المنكدر بن مُحَمَّد. ويبقى الْحَدِيْث من أفراد العلاء بن عَبْد الرحمان، عن أبيه.
قَالَ ابن رجب: ((واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ثُمَّ العمل بِهِ، أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد، مِنْهُمْ: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وابنعَبْد البر. وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم. وقالوا: هُوَ حَدِيْث منكر، مِنْهُمْ: عَبْد الرحمان ابن مهدي، وأحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم، ورده الإمام أحمد بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين))، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين)) 38.
أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم النصف الثاني من شعبان)
اختلف الفقهاء في حكم صوم النصف الثاني من شعبان عَلَى النحو الآتي:
أولاً: ذهب قوم إلى كراهة الصوم بَعْدَ النصف من شعبان إلى رمضان. هكذا نقله الطحاوي39 من غَيْر تعيين للقائلين بِهِ. وَهُوَ قَوْل جمهور الشافعية 40. ونقله ابن حزم عن قوم41.
ثانياً: خص ابن حزم 42 - جمعاً بَيْنَ أحاديث الباب – النهي باليوم السادس عشر من شعبان 43.
ثالثاً: ذهب الروياني 44 من الشافعية إلى تحريم صوم النصف الثاني من شعبان45.
رابعاً: ذهب جمهور العلماء إلى إباحة صوم النصف الثاني من شعبان من غَيْر
كراهة 46.
واستدل أصحاب المذاهب الثلاثة الأول بحديث عَبْد الرحمان بن العلاء، عَلَى اختلاف في تحديد نوع الحكم.
وأجاب الجمهور بتضعيف حديثه، وعدم وجود ما يقتضي التحريم أو الكراهة، بَلْ وجود ما يعضد القَوْل بالاستحباب.
ومذهب الجمهور هُوَ الراجح في عدم الكراهة وجواز صيام النصف الثاني من شعبان لضعف حَدِيْث العلاء وعدم صحته. والأصل الجواز حَتَّى يأتي دليل التحريم أَوْ الكراهة.
.............................. ............
1 هو أبو شبل العلاء بن عَبْد الرحمان بن يعقوب الحرقي المدني: صدوق ربما وهم، توفي سنة (138 ه). الثقات 5/ 247، وتهذيب الكمال 5/ 526 - 527 (5166)، والتقريب (5247).
2 هُوَ عَبْد الرحمان بن يعقوب الجهني المدني، مولى الحرقة: ثقة من الثالثة.
الثقات 5/ 108 - 109، وتهذيب الكمال 4/ 492 (3985)، والتقريب (4046).
3 في مصنفه (7325).
4في مسنده (9026).
5 في مسنده 2/ 442.
6 الحافظ الإمام، أحد الأعلام، أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عَبْد الرحمان بن الفضل بن بهرام التميمي ثُمَّ الدارمي السمرقندي، ولد سنة (181 ه)، وتوفي سنة (255 ه). الثقات 8/ 364، تهذيب الكمال 4/ 189 (3371)، وسير أعلام النبلاء 12/ 224.
والحديث في سننه (1747) و (1748).
7في سننه (2337).
8 في سننه (1651).
9 في جامعه (738).
10في الكبرى (2911).
11في شرح معاني الآثار 2/ 82.
¥