تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولما حاول البحث عن هذا السؤال وجد نفسه أمام متاهات وأحجيات، وعراقيل ومشكلات، وأمورٍ تحير الحليم: مئات الترجمات الحقيرة لكتاب الله تعالى، بمئات الطبعات ومئات اللغات، بمئات الأشكال والأحجام " اقترفها " قساوسة وحاخامون، ودجاجلة ومستشرقون، وخمورجية وحشاشون، وجواسيس وصيادون في الماء العكر، كلهم " يعكّ " شيئًا يسميه ترجمة، مرةً تحت اسم " قرآن محمد " ومرة " أحاديث محمد على المائدة " وثالثة " مختصر القرآن " ورابعة أهم عشر سور، وخامسة القرآن مرتبًا على طريقة " عجرة بكرة "، أو " واحد اثنين عم حسين " ..

جرأة رهيبة، وإهانات بشعة ضد القرآن الذي هان بهوان أصحابه، ولا من منتبه، ولا من غيور، ولا رقيب ولا حسيب.

انتبه المعايرجي قبل أربعين سنة، وبدأ يصرخ ويستغيث، عبر الصحف والمجلات العربية وغير العربية، وبدأ بجمع الترجمات ويوصّفها، ويؤلف الببليوغرافيات، ويكتب المقالات، وينشر في الدوريات، ويراسل المهتمين من أقاصي المعمورة، ليحصل بأية طريقة على ترجمات لكتاب الله تعالى صحيحة أو محرفة، ثم يحاول - ما وسعته المحاولة - أن يقف في وجه التيار، فيتصيد بعض الترجمات المقبولة، ويجتهد في إيصالها إلى من يقرأ بلغتها، فيبدأ في الطباعة والتوزيع، يساعده في ذلك بعض المحسنين القطريين، ممن أدركوا أهمية عمق وحجم الجرح الذي يحاول علاجه، وتصل الترجمات بجهد فردي - تقريبًا - إلى بقاع كان من المستحيل أن تسمح بمرور نملة تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .. دخلت إلى الصين الشيوعية، والاتحاد السوفييتي، وأفغانستان، ويوغوسلافيا، وإلى أفريقيا، وأوروبا، بلغات عديدة، وطبعات نادرة فريدة في الثمانينيات والتسعينيات.

باتت قضية الترجمات المحرفة هاجسًا يستولي عليه، ويحركه، حتى إنه " جهز الشوالي قبل اللبن " كما يقول المثل المصري، فحلم في يقظته بقيام مؤسسة عالمية لخدمة كتاب الله عز وجل: طباعة وتفسيرًا وترجمة ورصدًا ودفاعًا.

وخطط لقيام هذه الهيئة من الفرّاش إلى رئيس مجلس الإدارة، وحدد أقسامها ولجانها، ومسؤولياتها، وحجمها المادي والمعنوي، ودورها في الخدمة الشاملة؛ بعد أن لاحظ وجود هيئات إسلامية تتبع منظمة المؤتمر الإسلامي لكل شيء، حتى للكرة .. اللهم إلا القرآن وحده، فهو الذي لا كيان له يدافع عنه، ويغار له.

رسم الفكرة وبلورها وحده، أعانه على ذلك ربه عز وجل، ثم جَلدُه ودأبه الفائقان، واستفادته من معرفته بلغات أوروبية، وبالكمبيوتر، وبعمله السابق أمينًا لمركز البحوث العلمية والتطبيقية بجامعة قطر، فحصّل ما لا يقدر على تحصيله عشرات غيره، حتى إنني أزعم أنه رائدٌ مستكشف لفرع جديد من فروع علوم القرآن ينبغي أن يهتم له المختصون، ويستفيدوا منه، ويبنوا عليه، فإذا كان الدارسون لعلوم القرآن الكريم يتحدثون عن الناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والمحكم والمتشابه، وأسباب النزول، ومناهج المفسرين وما شابه، فإن المعايرجي قد فتح بابًا جديدًا حاول بعض السابقين أن يطرقوه لكن لم يجترئوا على اقتحامه كما اجترأ هو: باحثًا ومؤصّلاً وجامعًا ومحللاً، ثم منبهًا ومحذرًا، وواضعًا علامات على الطريق، وإشارات هامة لمن يسلكه بعده، تتمثل في كتابين - بالعربية والإنجليزية - عن الترجمات وتاريخها ومدارسها ونماذجها، وخريطة شديدة الأهمية والاستيعاب لحركة الترجمة منذ سنة 1143م، ثم مكتبة نادرة وشديدة الثراء، فيها مئات من الترجمات والطبعات باللغات العالمية والمحلية، الحية والمنقرضة.

وأتمنى على الله تعالى أن تهتم بهذه المكتبة - وأصحابها - مؤسسة دعوية أو أكاديمية كوزارة الأوقاف أو جامعة قطر أو دار الكتب، لأنها كنز، أظن أنه ليس موجودًا في كبريات المكتبات العامة والخاصة .. وحرام أن يبقى دفينًا أو مجهولاً.

وكانت آفة الدكتور المعايرجي أنه ظل بعيد كثيرًا عن الأضواء، لا تعرفه الصحافة، ولا يأبه له التلفاز، ولا يحس به المحررون الذين يفتشون عن الرجل " اللي بيسمّع " و " يموتون " في الإثارة والفرقعة بغضّ النظر عن المصداقية والموضوعية والجدوى، ولو كان يملك بعض مواهب التسويق والبهلوانية لكان له ولموضوعه ولمكتبته شأن آخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير