6: وإياك أن تغتر بكثرة المادحين والقادحين، وليكن لديك معيار تميز به بين ما ينبغي أن تقدم عليه، وما ينبغي أن تحجم عنه.
ولتستشر أهل الفضل والنصح والمعرفة حتى تكون على يقين من المسلك الذي تسلكه وفقاً للمؤثرات المحيطة بك وبمشروعك.
7: صاحب الهمة غالباً ما يظن أنه قادر على تحقيق عدد كبير من الأعمال المتزامنة لكنَّه ما إن يلج في لجة العمل حتى يتبين له صعوبة الجمع بينها، فيضطر إلى إعادة التخطيط لها، وتنظيمها.
لذلك فإن معرفة قدر النفس، ومعرفة قدرات من يعمل معك من أسباب تجنب بعض الآفات المودية ببعض المشاريع المؤسسية.
8: الذين يجيدون التنظير وافتراض الحلول ومناقشة أزمات الأمة واحتياجاتها كثير،
ولكن العاملين الذين يضطلعون بأعمال مؤسسية كبيرة قليل في الأمة.
9: من أهم عوائق المشاريع المؤسسية: التمويل، والأمة بعمومها لديها من الثروات ما يكفي لتنفيذ أعمال مؤسسية كثيرة جداً.
وهذا الهم ديدن كثير من أصحاب تلك المشاريع، وهم من جهة لا يلامون على ذلك،
وقد نسب ابن رشيق القيرواني إلى الشافعي قوله:
وأحق خلق الله بالهمِّ امرؤ = ذو همة يُبلى برزق ضيق
ولربما عرضت لنفسي فكرة = فأود منها أنني لم أخلق
ولكنَّ كثيراً منهم يظنون أنهم إذا حلوا عقدة التمويل تحقق لهم ما أرادوا ونفذوا مشاريعهم، فوجَّهوا عنايتهم لهذا الأمر، واجتهدوا في تحصيل المال فاعترضتهم آفات كثيرة:
فمنهم من تفرقت به السبل.
ومنهم من رجع وانقطع.
وقليل منهم من ينجو ويسلم.
فإياك ثم إياك أن تقول: لو وجدت تمويلاً لمشروعي فإني سأنفذه وفق ما خططت له، فإنك لا تدري ما يعرض لك من الآفات:
فقد تكون آفتك من نفسك.
وقد تكون ممن يعمل معك.
وقد تكون ممن تأمل نصرهم ونفعهم.
ناهيك عن مبغضيك وحسادك من تعلم منهم ومن لا تعلم، والمتغيرات من حولك.
وقد اجتمعت الأسباب المادية لقيام عدد من المشاريع ثم لم تقم.
وبُدئت بعض المشاريع ثم لم تتم.
وتمت بعض المشاريع ثم لم ينتفع بها كما ظُنَّ.
وهذا كلام أقوله عن علم وخبرة في هذا المجال، ولا أقصد به تثبيط القائمين بالأعمال المؤسسية أو من أرادوا القيام بها.
ولكني أردت تذكيرهم بأهمية الحذر من الآفات التي فشلت بسببها عدد من المشاريع، وضعفت ثمار بعضها.
* هذا الباب قد ولجه من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة، والابتلاء سنة إلهية يميز الله بها الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، ومن يريد حظ نفسه وشهوتها، ومن يريد ما عند الله.
* كثير ممن يرى فشل بعض المشاريع العلمية أو توقفها أو ضعفها يسارع بإلقاء اللائمة على ضعف إدارتها، ويظن أنه لو كان مكانهم لما فشلت تلك المشاريع، وهذا التسرع قصور في النظر وتزكية للنفس.
فالفشل والتوقف والضعف له أسباب متعددة، ولعل نقطة القوة لديهم حسن الإدارة التي حافظت على بعض الثمرات، وخففت من آثار الآفات العظيمة التي اعترضتهم.
* من واقع تجربة شخصية أسندت بعض الأعمال لبعض المتحمسين المنتقدين وأبديت له استعدادي بإعانته بما أستطيع، فذهب وكله حماس وجدية لتنفيذ تلك الأعمال وفَرَحٌ بطريقته الشخصية في الإدارة فلما واجهته العقبات وعاين الصعوبات رجع إليَّ بغير الوجه الذي جاءني به أول مرة.
وهو صادق مخلص فيما أحسب ولا أزكي على الله أحدا، ولكنه أُتي من قبل الاعتداد بالرأي وقلة الصبر.
وقد تكرر هذا مع غيره في صور شتى وفي أعمال متعددة، أحرز بعضها بعض النجاح، وفشل بعضها.
* نحن لا نعيش في مجتمع مثالي، ولا نستطيع القيام بمشاريعنا بمعزل عن هذا المجتمع، ومجتمعنا قد عبثت به آفات كثيرة يعلم كل ذي لبٍّ وبصيرة أن تلك الآفات لا بد أن تغزوا القائمين بتلك المشاريع
فمجتعنا قد دب إليه داء الأمم من قبلنا، ووسد الأمر فيه إلى غير أهله، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وأعجب كل ذي رأي برأيه، ونطقت الرويبضة، وأُسكت العالم.
ولو تأملت الآفات التي في الأوساط العلمية وحدها لهالك الأمر، ولعلمت أن المشروع الذي يسلم من تلك الآفات هو المشروع المؤيد بحفظ الله.
¥