17 - قال الشّافعيّة والحنابلة: ينبغي أن يتولّى الإقامة من تولّى الأذان. واحتجّوا بما روي عن الحارث الصّدائيّ أنّه قال: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بلالاً إلى حاجةٍ له فأمرني أن أؤذّن فأذّنت، فجاء بلال وأراد أن يقيم، فنهاه عن ذلك وقال: إنّ أخا صداءٍ هو الّذي أذّن، ومن أذّن فهو الّذي يقيم» ولأنّهما فعلان من الذّكر يتقدّمان الصّلاة، فيسنّ أن يتولّاهما واحد كالخطبتين، ووافقهم الحنفيّة على هذا الرّأي إذا كان المؤذّن يتأذّى من إقامة غيره، لأنّ أذى المسلم مكروه.
وقال المالكيّة: لا بأس أن يؤذّن رجل ويقيم غيره، لما رواه أبو داود في حديث عبد اللّه بن زيدٍ أنّه رأى الأذان في المنام فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «ألقه على بلالٍ، فألقاه عليه، فأذّن بلال، فقال عبد اللّه: أنا رأيته وأنا كنت أريده قال: أقم أنت». ولأنّه يحصل المقصود منه، فأشبه ما لو تولّاهما معاً، ووافقهم على ذلك الحنفيّة إذا كان المؤذّن لا يتأذّى من إقامة غيره.
إعادة الإقامة في المسجد الواحد:
18 - لو صلّى في مسجدٍ بأذانٍ وإقامةٍ، هل يكره أن يؤذّن ويقام فيه ثانياً؟
في المسألة ثلاثة آراء:
الأوّل للحنفيّة، وهو رأي للمالكيّة، ورأي ضعيف للشّافعيّة: إذا صلّى في المسجد بأذانٍ وإقامةٍ كره لمن جاء بعدهم أن يؤذّن ويقيم، وشرط الحنفيّة أن يكون من أذّن وصلّى أوّلاً هم أهل المسجد " أي أهل حيّه " فمن، جاء بعدهم فأذان الجماعة وإقامتهم لهم أذان وإقامة. الثّاني في الرّأي الرّاجح للمالكيّة والشّافعيّة: يستحبّ أن يؤذّن ويقيم للجماعة الثّانية، إلاّ أنّه لا يرفع صوته فوق ما يسمعون، ووافقهم على ذلك الحنفيّة إذا كان المسجد على الطّريق، وليس له أهل معلومون، أو صلّى فيه غير أهله بأذانٍ وإقامةٍ، فإنّه يجوز لأهله أن يؤذّنوا ويقيموا.
الثّالث للحنابلة: الخيار، إن شاء أذّن وأقام ويخفي أذانه وإقامته، وإن شاء صلّى من غير أذانٍ ولا إقامةٍ.
ما يقام له من الصّلوات:
19 - يقام للصّلوات الخمس المفروضة في حال الحضر والسّفر والانفراد والجماعة والجمعة. واتّفق الفقهاء على طلب الإقامة لكلٍّ من الصّلاتين المجموعتين،
لأنّ «الرّسول صلى الله عليه وسلم جمع المغرب والعشاء بمزدلفة وأقام لكلّ صلاةٍ». ولأنّهما صلاتان جمعهما وقت واحد، وتصلّى كلّ صلاةٍ وحدها، فاقتضى أن تكون لكلّ صلاةٍ إقامة.
واتّفق الفقهاء على طلب الإقامة للصّلوات الفوائت، لما روي عن أبي سعيدٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أنّه حين شغلهم الكفّار يوم الأحزاب عن أربع صلواتٍ أمر بلالاً أن يؤذّن ويقيم لكلّ واحدةٍ منهنّ، حتّى قالوا: أذّن وأقام وصلّى الظّهر، ثمّ أذّن وأقام وصلّى العصر، ثمّ أذّن وأقام وصلّى المغرب، ثمّ أذّن وأقام وصلّى العشاء».
واتّفق الفقهاء على استحباب الإقامة للمنفرد، سواء صلّى في بيته أو في مكان آخر غير المسجد، لخبر عقبة بن عامرٍ، قال: «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: يعجب ربّك من راعي غنمٍ في رأس الشّظيّة للجبل يؤذّن ويقيم للصّلاة ويصلّي، فيقول اللّه عزّ وجلّ: انظروا إلى عبدي هذا يؤذّن ويقيم الصّلاة يخاف منّي، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنّة».
ولكنّه إذا اقتصر على أذان الحيّ وإقامته أجزأه، لما روي أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ «صلّى بعلقمة والأسود بغير أذانٍ ولا إقامةٍ وقال: يكفينا أذان الحيّ وإقامتهم».
الإقامة لصلاة المسافر:
20 - الأذان والإقامة للفرد والجماعة مشروعان في السّفر كما في الحضر، سواء أكان السّفر سفر قصرٍ أو دونه.
الأذان للصّلاة المعادة:
21 - في الإقامة للصّلاة المعادة في وقتها للفساد رأيان:
الأوّل: للحنفيّة: تعاد الصّلاة الفاسدة في الوقت بغير أذانٍ ولا إقامةٍ، وأمّا إن قضوها بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذانٍ وإقامةٍ.
الثّاني: للمالكيّة: يقام للصّلاة المعادة للبطلان أو الفساد، ولم يعثر للشّافعيّة والحنابلة على تصريحٍ بذلك، ولكن قواعدهم لا تأباه.
ما لا يقام له من الصّلوات:
¥