وبالتالي، فالحكم الوصفي يجب أن يلتزم بأحد الشروط الثلاثة التالية:
- الصدق: قبل الإدلاء بحكم وصفي ما، يجب التأكد من صدقه، أو موافقته للواقع.
- أو جدية الفرضيات: في حالة عدم التأكد من صدق الحكم الوصفي (أو القطع بيقينه)، يصبح الحكم الوصفي افتراضا محتملا وجادا.
- التعميم القائم عل أساس علمي مقبول: فبعض الأحكام الوصفية تنطلق من تعميم لحالات خاصة. ويختلف قبول هذا النوع من الأحكام الوصفية باختلاف طبيعة العينة المعتمدة للتعميم من حيث العدد ومن حيث النوعية.
2 - النوع الثاني: الحكم الذوقي (أو التفضيلي): الذي يعبر من خلاله الشخص عن ذوقه الشخصي أو ميولاته الخاصة
هذا النوع من الأحكام، يعتبر ذاتيا، لأنه:
- يهدف لإعلام الآخرين باختياراتنا الذوقية أو تفضيلنا لأمر دون آخر، أو انطباعنا الخاص.
- ولا يفيد في معرفة الأمر أو الواقعة أو الشخص بشكل موضوعي.
ولذلك فليس لهذا النوع من الحكم قيمة في الاستدلال مع الآخرين. فعندما يتعلق الأمر بالأذواق والألوان، يصبح النقاش أو (جهد الإقناع) غير ذي جدوى، إلا في حالات نادرة متعلقة بالمتخصصين الذين يبدون رأيا ذوقيا مبنيا عل خبرتهم في مجال تخصصهم.
ومن الأمثلة على ذلك:
- أن نقول: يعجبني هذا الكاتب، ولا يعجبني الآخر.
- هذا الكتاب من أفضل ما قرأت.
- لا أحب أطباء الأسنان
- أحب الحديث في مسائل الدين
- هذا الضجيج يزعجني كثيرا.
- لا أميل لمثل هذا الأسلوب في النقد (ملاحظة: عندما نغير العبارة كما يلي: "هذا أسلوب غير علمي في النقد": يصبح حكما وصفيا وليس ذوقيا).
3 - النوع الثالث: الحكم القيمي (أو المعياري): الذي يعبر من خلاله الشخص عن موقفه مما هو مطلوب أو غير مطلوب، ويشير من خلاله على تقديره وتقييمه للأشياء والأفعال بالتحليل أو المقارنة.
يعتبر هذا النوع من الأحكام ذاتيا وموضوعيا في نفس الوقت، لأنه يمثل، في جزء منه، تعبيرا عن تقدير ذاتي للمسألة، وفي جزئه الآخر وصفا لخصائص واقعية في الأمر أو الشخص أو الشيء الذي يحكم عليه.
وفي مثل هذه الأحكام، تستعمل تعابير من قبيل: (يجب)، (من الأفضل أن)، (من الضروري)، (نحتاج إلى ... )، من خلال رؤية ذاتية لما هو هام أو غير هام، حق أو باطل، حسن أو قبيح.
ورغم البعد الذاتي الذي يحمله هذا النوع من الأحكام، إلا أنه يعتبر مقبولا، طالما وجدت أدلة منطقية تدعمه.
والحكم القيمي (أو المعياري) يمكن قبوله عندما يتعلق بمسألة عامة متحررة من الاعتبارات المذهبية أو الدينية أو اللغوية أو القومية. بعبارة أخرى: عندما يتعلق بمسألة عامة ( Universal) تتطلب الحكم عليها من جانب منطقي بحت، لأنها تدعو إلى نموذج (أخلاقي أو اجتماعي، ... ) ترى فيه ضرورة مبدئية، أو فائدة عميمة عند تطبيقه.
كيف يمكن مقارنة أو ترتيب الأحكام المعيارية المقبولة؟
يتطلب الوصول لذلك، أن نحدد من بين القيم المتضادة: تلك القيمة التي تغطي مجالا أو مساحة أكبر من الأخرى: إما لأنها مبدأ أصلي أكثر أهمية من الأخرى، أو لأن نتائج تطبيقها أكثر فائدة من الأخرى.
3 - كيف نطبق ما سبق على مقال د. عائض القرني والردود الموجودة هنا؟
كلام د. القرني يندرج ضمن النوعين المقبولين من الأحكام: الحكم الوصفي والحكم المعياري. وليس فيه أي شيء من الأحكام الذوقية.
فأما الأحكام الوصفية التي أطلقها فتتلخص في أمرين:
- أولهما: الإقرار بوجود حسنات ومظاهر إيجابية في الحياة الاجتماعية للبلدان الغربية: منها ظاهرة الحفاظ على المواعيد، والتحضر، وحسن التأدب مع الآخر، والترتيب في شئون الحياة ...
وليس في كلام د. القرني ما يدل على تعميمه لهذا الأمر، وإنما وصف ما شاهده في فرنسا، في إطار المستشفيات والعيادات والمكتبات والفنادق التي زارها.
- ثانيهما: الإقرار بغياب مثل هذه المظاهر في المجتمع العربي والإسلامي، في كثير من المجالات: عند بعض المشايخ وطلبة العلم، وعند الأزواج والزوجات، وفي الطريق وفي الأسواق، إلخ.
وقد لخص هذا الجانب الثاني في عبارته الأخيرة: (عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف).
وأما الأحكام المعيارية التي تحدث عنها، فهي التالية:
- أهمية حسن الخلق، والحاجة لمعهد لتدريب الناس عليه في بلادنا العربية
- الحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع
¥