والله لاتستطيع أن تصدق ياصديقي القارئ حجم الطرافة والدهشة التي كانت تغمرني وأنا أتابع ردود الأفعال تجاه "المقالة الباريسية" للشيخ عائض القرني!
لكم كنت أقهقه حد الهستيريا كلما طالعت مقالة متحمسة جديدة في اتجاه ما ..
دعني أقول لك بكل اختصار .. أنه إلى الآن لم أجد أحداً فهم المقالة الباريسية! الجميع تحدث في مجال آخر لاصلة له بجوهر المقالة .. بصراحة ثمة استيعاب مضلل لحقيقة الفكرة التي في المقالة ..
سواء من دافع عن القرني ورأى أنه كان منصفاً مع الغرب .. أو من تبرم بالمقالة وانفعل تجاهها ورأى أنها خطوة طهطاوية ..
كلا هذين الاتجاهين لم يفهموا المقالة ..
قبل أن أشرح لكم ماذا تعني بالضبط مقالة القرني .. وماهو المعنى الذي لم يكتشفه القراء فيها يهمني الاشارة إلى "العامل الجوهري" الذي تسبب في الفهم الخاطئ للمقالة؟
أو بمعنى آخر: مالسبب الذي خلق "الفهم الخاطئ" للمقالة الباريسية للقرني؟!
الحقيقة وبكل وضوح أن السبب والعامل الجوهري الذي جعل أولئك الكتاب يضلون الطريق إلى استيعاب مقالة القرني هو بكل اختصار:
"أنهم حملوا المقالة محمل الجد"!
وهذا أخطر موقف يمكن أن تقفه إزاء خطاب الشيخ عايض القرني كله .. كل مايقوله القرني –بلا إستثناء- سواء كان إطراء أو قدحاً أو أحكاماً شرعية أو فتاوى أو معلومات عامة من الخطأ التعامل معه باعتباره خطاب "يعني مايقول" ..
"القرني" .. طيلة حياته الاعلامية يقول كل شئ وباتجاه أي شئ .. وهذا مايغيب عن الكثيرين .. فمرة تراه غيفارا في كاسيتاته ضد الحكومات العربية .. ثم تجده غداً يلبس خوذة مع القوات المشتركة في حرب الخليج .. ثم يعود ويشتم السلاطين بلغة راديكالية تكاد تظن أن الرجل حزم أمتعته إلى تورا بورا .. ثم تجده يحي أمسية مع أمير منطقة الرياض ..
ثم تجده يرش الفكر العربي بكامله بتهمة الزندقة .. وتجده في الصيف يشارك بابتسامته ومصافحته لكل المفكرين العرب في الجنادرية ويحييهم وكأنهم يغسلون وعثاء الفتوح ..
ويتحدث عن حرب الفضيلة ومعركة الحجاب .. ويقابل المخرجات في منزله ويزودهن بفتاوى "تطيب خاطرهن" حول الحجاب .. ثم يعتذر عن الفتوى لأن بعض طلاب اتصل به وتشره عليه ..
ثم ينشر قصيدة عن أبي منقاش .. وينشر غداً أنه أخطأ في الموضوع ..
ثم ينشر قصيدة اعتزال .. ثم يرسل مقالة رجوع لأن بعض الذوات اتصلوا به ولايبغى يكسر خاطرهم ..
ويتحدث عن الصحافة المتأمركة وخضراء الدمن .. ثم يقول في مقابلته مع خضراء الدمن ذاتها: "إنني لا أشرب قهوة الصباح إلا مع جريدة الشرق الأوسط .. وإني قارئ مدمن لها" ..
باختصار .. عائض القرني شخصية "حبُّوبة" .. يعني تعاملوا معه كذا أرجوكم .. القضية لاهي علم ولا فكر ولا سياسة .. القضية أن الرجال عنده حافظة قوية ويحب المسامرة ولايحب يزعل أحد ولذا يقول كل شئ بأي اتجاه ..
واللي يتصور أن القرني كتب المقالة إنصافاً فهو يعيش وهما كبيراً .. القصة بكل اختصار:
أن القرني راح في التسعينات لأمريكا .. ولما عاد وجد بعض الشباب عنده موقف سلبي تجاه الغرب فكتب قصيدته المشهورة لتطييب خواطر هؤلاء الشباب والتي قال فيها:
يقول عائض هو القرني**أحمد ربي وهو لي ولي
ياسائل الأخبار عن أمريكا**اسمع رعاك الله من يفتيكا
من الرياض عفشنا ربطنا**وفي نيويورك ضحى هبطنا
في بلد أفكارة منكوسه**تثقله بصائر مطموسه
يقدسون الكلب والخنزيرا**ويبصرون غيرهم حقيرا
ما عرفوا الله بطرف ساعة** وما أعدوا لقيام الساعة
فهم قطيع كشويهات الغنم**جد وهزل وضياع ونغم
ثم هذه الأيام ذهب القرني إلى باريس .. وصادف أنهم ضاعوا في الطريق .. فسألوا واحد فنزل وطلع خريطة ودلهم على الطريق .. أخونا "عايض" وبسبب طبيعته "الحبُّوبة" كتب مقالة يمدح فيها أوروبا "كلها" ويسب فيها العرب المسلمين "كلهم" .. لأن فيه واحد في باريس طلع الخريطة ودلهم على الطريق .. !
طبعاً لو السيد الباريسي هذا إعتذر .. كان كتب القرني مقالة ثانية يتهم أوروبا كلها بالأنانية .. ويمدح العرب كلهم .. أو لربما كتب قصيدة يثبت فيها أن العرب اخترعوا "الخريطة" قبل الغرب!
فالقضية ليست رؤية فكرية أصلاً!
¥