تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما كنت أظن أن العرب داراً ونسباً ولساناً - ستبلغ بهم التبعية الماسخة إلى فعلته، ومن أثقل المظاهر أن ترى المريض في عقله يحمل الزهور - مستقل ومستكثر - إلى المريض في بدنه وكان العكس أولى؟ فالله أكبر إنها السنن (لتتبعن سنن من كان قبلكم).

ثم انتشر التمثيل في المعابد الكنسية، يمثل جزءاً من تعبداتهم الكنسية، و يحمل إسم:

(التراجيديا)، و (المأساة)، و (التياترو).

وفي العقود الأخيرة من القرن الرابع عشر الهجري تسربت التمثيليات الدينية، والهزلية إلى المدارس النظامية، والدينية منها إلى الجماعات الإسلامية، فتألفت فيها فرقة (التمثيل الديني)، ثم أخذت تتطور إلى تمثيل أشخاص بعينهم، ثم إلى العظماء في الإسلام، ثم إلى طبقة الصحابة رضي الله عنهم، ثم إلى أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، ثم إلى العوالم الغيبية كملائكة الرحمن، وهكذا.

وقد وجد لدى بعض الإخباريين ذكر السوابق في تاريخ العرب الترفيهية، والدينية، وكان يسمى لديهم (خيال الظل) فقيلت فيه أشعار، ونقلت عنه أخبار. وكان الولاة بين المنع والجواز. وهنا بيتان يُنسبان إلى ابن الجوزي رحمه الله تعالى، في (خيال الظل) كما في (النجوم الزاهرة): (6/ 176)

رأيت خيال الظل أكبر عبرة ××× لمن هو في علم الحقيقة راقي

شخوص وأشباح تمر وتنقضي ××× وتفني جميعاً والمحرك باقي

وفي (كناشة النوادر) للأستاذ عبدالسلام هارون (1/ 9) قال:

(خيال الظل: وهو الأصل الأول للسينماء المعاصرة، إذ تتحرك الأشخاص والأشكال خلف ستر، وقد سلط عليها الضوء، فتبدو صورها متحركة من خلف الستر. . ومن أقدم النصوص التي سجلت فيها هذه الظاهرة، قول ابن الجوزي، المتوفى سنة 597 هـ أي منذ ثمانية قرون، فذكرهما عن (النجوم الزاهرة 6/ 176) انتهى.

وهما بنحوهما مع غيرهما - منسوبة في (المستطرف) للأبشيهي إلى وجيه الدين ضياء بن عبدالكريم والمتأخرون يتناقلون نسبتهما إلى الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى - ولم أقف في هذا العزو على مصدر قديم، والله أعلم.

ولتيمور في (خيال الظل) ص/19 - 23 مبحث ممتع في ذلك، وإنكار العلماء له فلينظر. والله أعلم.

وفي (العقد الفريد) لابن عبدربه، وعنه بدون عزو في (الوفاقات) للبكري، كما في حاشية (صهاريج اللؤلؤ) له ص/ 258 - 259 ذكر قصة طويلة لبعض الوعاظ، حيث كان يقف على تل مرتفع فيقول قم: يا أبا بكر فيقوم شخص بمثابة أبي بكر - رضي الله عنه - وهكذا.

ومن الذين اشتهروا بذلك، إبن دانيال الموصلي: شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف الخزاعي المولود سنة 646هـ والمتوفى سنة 711هـ، ثم المصري والذي عاش على أنقاض العدوان الهولاكي التتري، وفي حياته الإنتقالية إلى مصر احترف الطب وامتهن الكحالة. وكانت له مواقف وأشعار وحكايات وقصص ماجنة، وحياته مملوءة بهذا. ثم ترقت به الحال إلى (خيال الظل) وقد ألف كتابه (طيف الخيال).

و أمام هذه البدوات، فقد قابله الفقهاء بالمنع و التحريم كما رأيت نقلا عن (خيال الظال)، و ما يأتي عن النووي، و ابن حجر الهيثمي.

هذا ما أمكن الوقف عليه عن (تاريخ التمثيل و أصل حدوثه).

و أما بشكله التنظيمي المعاصر، و تطوره الراهن فإن هذه النواة نمت بحكم اتصال المشارق بالمغارب، و كان أول حدوثه في ديار الإسلام - بوصفه الحاضر- على يد نصراني هو: مارون النقاش اللبناني، إذ عمل أول تمثيلية عام 1840م أي قبل 150 عاماً، كما في (تاريخ الأدب) ص/427 - للزيات، ثم في بلاد الشام، فمصر، على يد أحد الممثلين الدماشقة المتوفي 1320هـ، و هو:

أبو خليل القباني: أحمد بن محمد آغا آقيق.

قال الزركلي في (الأعلام 1/ 235) في ترجمته له:

(من أوائل منشئي المسرح التمثيلي العربي في الشام و مصر ... أنشأ مسرحاً للتمثيل بدمشق عرض فيه بضع روايات غنائية من وضعه و تلحينه، و أنكر عليه بعض الشيوخ إتيانه بهذه البدعة، فشكوه إلى حكومة الأستانة، و منع من الاستمرار، فاحترف التجارة بما يسمى (مال القبان) و عرف بالقباني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير