وولي دمشق أحد رجال الإصلاح المشهورين من الترك (مدحت باشا)، فدعاه إليه، و أذن له بالعودة إلى ماكان قد بدأ به. وأقصى مدحت عن دمشق، فرحل أبو خليل إلى مصر سنة 1884م، ومعه (جوقه) من الممثلين والمنشدين، فبدأ بتمثيل (أنبس الجليس)، وعلت شهرته، و كثر الآخذون عنه، واقتبس من الأدب الغربي قصصاً عن كورونيه الفرنسي وغيره. وسافر إلى العاصمة العثمانية (الأستانة) وأمريكا، ولقي نجاحاً ثم عاد إلى دمشق .. ) انتهى.
وأما حدوثه في (العادات) فهو في بلاد الكفر من أوروبا، وأمريكا، وغيرهما لأغراض متعددة وتحت ألقاب متنوعة، وهذا ما يأتيك خبره في المبحث بعده وهو (المبحث الرابع).
المبحث الرابع: أنواع التمثيل
تبين من المبحث قبله أن التمثيل في أصل حدوثه ديني لدى وثنية اليونان، ولدى النصارى، واعتيادي كما في فرنسا وأوربا وأمريكا وغيرها، ويمكن تصنيف نوعيه إلى ما يلي:
الأول: التمثيل الديني: وهو قسمان:
أ - التراجيديا، أو (المأساة) وهما للمحزن منها.
ب - التياترو، وأصل معناه: النظر بإعجاب.
الثاني: في محيط العادات واللعب، وهما قسمان:
أ - الكوميديا، أو (الملهاة) للمضحك منها.
ب - الميلودراما، و (دراما) للمزعج منها.
وأنواعه بحسب الواقع من عدمه:
1 - طبعية: أي واقعية تحكي واقعاً فعلياً.
2 - متخيلة: أي من نسج الخيال.
3 - رمزية: تعتمد التعبير المثير.
ثم أنواعه بحكم أدائه بالوسائل الحديثة هي:
إذاعية، تلفزة، سينما، مسرحية.
ثم هي: نثرية، أو شعرية، أو مرتجلة، أو معدة.
المبحث الخامس: الغاية من التمثيل
هي باختصار يجمعها (قصد التأثير بإصلاح أو إفساد)
وينبغي التنبيه إلى أن (الفاسد منها) يظهر بقصد:
شغل الفراغ.
الترفيه.
وتصاغ له الأساليب:
ترفيه هادف.
ترفيه برئ، وهكذا.
المبحث السادس: المدرك الفقهي لبيان حكم نازلة التمثيل
لما لم نر فيها كلاماً لمتقدمي العلماء، نظراً لأنها لم تدخل محيط العبادات، ولم تنتشر في العادات، صار تقليب النظر في تنزيلها على أي من أحكام التكليف على النحو الآتي:
1 - هل التمثيل: محرم لذاته تحريم غاية فيشمل جميع أقسامه وأنواعه سواء في العبادات أو العادات؟
2 - أم أن أصله الإباحة، والحكم عليه بحسب موضوعه، فيتنزل الحكم التكليفي عليه بحسب موضوعه؟
3 - أم الإباحة لأصله وموضوعه، والنهي لما يحف به من بعض المحرمات، فيكون من باب تحريم الوسائل؟
هذه هي القسمة التي يمكن تصورها للمدرك الفقهي، حتى يتسنى بيان موجبات الحكم الشرعي في (التمثيل).
واعلم أن القسم الثالث لا أعلم به قائلاً ولا أحسب له قائلاً من علماء الملة، بل إن موجبات التحريم العارضة فيه هي زيادة لحكم الحضر، سواء قيل لذاته أو لموضوعه. إلا أن القسم الثاني ينتظم الأقسام الثلاثة على التفصيل الآتي:
فيكون التمثيل في موضوع محرماً لذات الموضوع.
ويكون التمثيل في موضوع جائزاً، ويحرم بحكم ما يحف به من أمور أخرى.
ويكون التمثيل في موضوع جائزاً، ولا يحف به ما يرقيه إلى رتبه النهي.
وإذا كان الأمر كذلك، فإلى سياق الأدلة الحكمية في قوالب ثلاثة:
الأول: أدلة تحريم التمثيل لذاته.
الثاني: أدلة تحريم التمثيل لموضوعه.
الثالث: أدلة تحريم التمثيل لما يفضي إليه.
توجيه تحريم التمثيل لذاته:
إذا علمت أن التمثيل منقطع الصلة بتاريخ المسلمين في خير القرون، وأن وفادته إليهم كانت طارئة في فترات، وأنه في القرن الرابع عشر الهجري استقبلته دور اللهو، وردهات المسارح، ثم تسلل من معابد النصارى، إلى فريق (التمثيل الديني) في المدارس، وبعض الجماعات الإسلامية. إذا علمت ذلك فاعلم أن قواعد الشريعة وأصولها، وترقيها بأهلها إلى مدارج الشرف والكمال تقضي برفضه، ورده من حيث أتى، وهذا بيانها:
أولا ً: معلوم أن الأعمال، إما عبادات أو عادات.
فالأصل في العبادات لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات لا يحظر منها إلا حظره الله.
وعليه: فلا يخلو التمثيل، أن يكون على سبيل التعبد (التمثيل الديني)، أو من باب الاعتياد، على سبيل (اللهو والترفيه).
¥