فإن كان على سبيل التبعد، فإن العبادات موقوفة على النص ومورده، و (التمثيل الديني) لاعهد للشريعة به، فهو سبيل محدث، ومن مجامع ملة الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد).
ولهذا فما تراه في بعض المدارس والجامعات من فرق ٍ للتمثيل الديني، فإن في حقيقته (التمثيل البدعي) لما علمت من أصله، وحدوثه لدى المسلمين خارجاً عن دائرة المنصوص عليه بدليل شرعي، وأنه من سبيل التعبد لدى أهل الأوثان من اليونان، ومبتدعة النصارى، فلا أصل له في الإسلام بإطلاق، فهو إذا ً محدث، وكل أمر محدث في الدين فهو بدعة، تضاهي الشريعة، فصدق عليه حسب أصول الشرع المطهر: إسم (التمثيل البدعي).
وأسوق إليك هنا أمرين مهمين:
أحدهما: هذا النوع من التمثيل (التمثيل الديني) إنما وجد في أمم الكفر، لأنهم خواء ليس لهم شرع قائم يرجعون إليه، أما أهل الإسلام فلديهم الشرع المعصوم من التبديل (الكتاب، والسنة) فهم في غناء عن هذه الواردات، قال الله تعالى:} وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً {الفرقان / 33
ثانيهما: إنما يحصل العدول عن هدي الكتاب والسنة إلى أمثال هذه الوفادات، إذا ضعف أهل الإسلام عن تحمل العلم الشرعي، وأعياهم تحمله، والفقه فيه، فيذهب بهم العجز والخواء كل مذهب، وحينئذ تصادف هذه الواردات قلباً خالياً من نور العلم الشرعي الموروث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتشرب هذه المحدثات.
وقد بلغ الحال بالمسلمين من التمثيل لعظماء الإسلام على خشبات المسارح، من رجال القرون المتأخرة إلى القرون المفضلة، إلى أنبياء الله ورسله، إلى عوالم الغيب.
وقد ثبت بالمشاهدة في معقل من معاقل العلم الشرعي، قيام تمثيلية دينية - زعموا - يمثل فيها مسلم دور مشرك بالله، فيسجد لشجرة من دون الله ... لبيان فضل التوحيد ... وهكذا كما هو معلوم ومشاهد.
فنعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن العماية بعد الهداية، ومن الضلالة بعد الرشد.
وإن نشر الفضائل، وإظهار عظمة الإسلام، تلتقي فيها الوسائل مع الغايات، بوقفها على منهاج النبوة، وهذا منابذ لها، أجنبي عنها.
وأما إن كان التمثيل في (العادات)، فهذا تشبه بأعداء الله الكافرين، وقد نهينا عن التشبه بهم. إذ لم يعرف إلا عن طريقهم، والنهي عن التشبه بهم (أمر بمخالفتهم)، وقد نهى الله سبحانه عن الخوض فيما يخوضون فيه، فقال تعالى:} كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {التوبة / 69.
والله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -} إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {الأنعام / 59 فقوله سبحانه} لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ {يقتضي البرآءة منهم في جميع الأشياء. والمتابعة في بعض الأشياء يكون التابع له من المتبوع في ذلك الشيئ.
وإذا كان الله قد برأ نبيه - صلى الله عليه وسلم - من جميع أمورهم، فمن كان متبعاً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - حقيقة كان متبرئاُ منهم كتبرؤه - صلى الله عليه وسلم - منهم، ومن كان موافقاً لهم كان مخالفاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدر موافقته لهم.
قال ابن حجر الهيثمي م. سنة 974هـ - رحمه الله تعالى - في رسالته: (الإعلام بقواطع الإسلام) ص / 362 المطبوعة في آخر (الزواجر):
(ومنها - أي من المكفرات - لو حضر جماعة، وجلس أحدهم على مكان رفيع تشبيهاً بالمذكرين، فسألوا المسائل وهم يضحكون، ثم يضربونه بالمجراف.
أو تشبه بالمعلمين، فأخذ خشبة، وجلس القوم حوله كالصبيان، فضحكوا، واستهزؤا.
أو قال: قطعة من ثريد خير من العلم: كفر.
¥