تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

زاد في الروضة - يعني النووي - قلت: الصواب أنه لا يكفر، في مسألتي التشبيه) انتهى.

ولا يغتر بذلك، وإن فعله أكثر الناس، حتى من له نسبه إلى العلم، فإنه يصير مرتداً على قول جماعة، وكفى بهذا خسارة وتفريطاً) انتهى.

ثانياً: لا يخلو (التمثيل) أن يكون أسطورة متخيلة، فهذا كذب، والنفوس واجب ترويضها على الصدق، ومنابذة الكذب، والأساطير المختلقة المكذوبة، تشرب النفوس الكذب، وعدم التحرز منه.

وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال:

(ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك به القوم، ويل له، ويل له). رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.

أو أن يكون (التمثيل) حقيقة بتمثيل معين، فهذا محاكاة، والمحاكاة منهي عنها بإطلاق، كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال:

(ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن الجعد.

قوله: (حكيت إنساناً) أي: قلدته في حركاته، وأقواله فهي غيبة فعليه، وهي كالغيبة القولية في التحريم سواء. ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: (وأن لي كذا) أي: وأن لي على تلك المحاكاة، وهذا من أدلة التحريم.

قال النووي - رحمه الله - في (الأذكار) (ص/ 490) (ومن ذلك - أي الغيبة - المحاماة، بأن يمشي متعارجاًً، أو مطأطئاً، أو غير ذلك من الهيئات، مريداً حكاية من يتنقصه بذلك. فكل ذلك حرام بلا خلاف) إنتهى.

فظهر أن (المحاكاة)، (التمثيل) مبغضة في الإسلام، والمحاكاة فيها إيذاء في جميع الأحوال. إذ أن الطباع تنفر من مشاهدة من يحاكيها حتى في مواطن المحمدة. وكم في هذا من هضم وإيذاء. وإن عشاق اللهو من العظماء والمترفين لا يمكن التجاسر بمحاكاتهم على ملاً من الناس، ولو في مواطن الشجاعة والكرم، فكيف تهدم حرمات ناس مضوا، وبقي علينا واجب النصرة لهم بالإسلام، فلننتصر لحفظ حرمتهم، والإبقاء على كرامتهم (وكل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، فكيف إذا كان فيه مواقف من الإيذاء والسخرية والاغتياب، والكذب عليه بقول ٍ وماقال، وفعل ٍ وما فعل؟

وإن السؤال ليرد على من يعتني بها، وعلى من يستخرجها، ويتلذذ بتمثيل غيره معيناً، هل يرضى أن يُمثل في مشاهدته، وهو يتحدث مع زوجته، أو قائم في صلاته، أو في حال تلبسه بخطيئة، أو في أي دور من أدوار حياته.

وفي (الديارات) للشايشتي، ذكر عن الشاعر: دعبل الخزاعي م / 250هـ قوله:

(وما غلبني إلا مخنث، قلت له: والله لأهجونك، قال: والله لئن هجوتني لأخرجن أمك في الخيال) انتهى.

فانظركيف كان وسيلة للنكاية والسخرية والتشفي من أي شخص يُراد الإنتقام منه. فهو بالجملة يحوي مجموعة (مفاتيح سوء) توصل إلى مقصد يراد منها.

فيا لله كم في هذا من وثبات على حرمات أناس مضوا، وكم فيه من جراءة على حرمتهم، وإسقاط لها، وتوهين لمكانتها، والله المستعان.

ثالثاُ: المروءة من مقاصد الشرع، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاء، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق، وينهي عن سفاسفها. فكم رأى الراءون (الممثل) يفعل بنفسه الأفاعيل، في أي عضو من أعضائه، وفي حركاته، وصوته، واختلاج أعضائه، بل يمثل: دور مجنون، أو معتوه، أو أبله، وهكذا.

وقد نص الفقهاء " في باب الشهادة " على سقوط شهادة " المضحك " و " الساخر " و " المستهزئ " و" كثير الدعابة ". وهذا منتشر في كلام الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم.

وفي مجموع " فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية ":

(32/ 255 - 256) سُئل عن الرجل يتحدث بين الناس بحكايات كلها كذب، فقال:

(وأما المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس، أو لغرض آخر، فإنه عاص لله ولرسوله. وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" إن الذي يحدث فيكذب ليُضحك القوم ويلٌ له، ويلٌ له، ثم ويلٌ له ".

وقد قال ابن مسعود: " إن الكذب لا يُصلح في جد ٍ ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه " وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك) انتهى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير