وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مسقطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته.
ومن المسلمات أن (التمثيل) لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين.
رابعاً: الإسلام ينشد لأهله الترقي في مدارج الشرف، والإبتعاد بهم عن إيجاد طبقة ساذجة، دأبها اللهو، والتفاهة، ونشر هذا التدني في الأمة.
والتمثيل لا يمكن أن نرى في الإسلام عظيماً في خلقه، ودينه، وشرفه، وكرامة أصله يعتمله، ما لم يكن في مقوماته الأصلية أو المكتسبة اختلال.
والإسلام لما أبيح فيه: المزاح، والضحك، واللهو، أبيح في قوالب معينة، وحف بضوابط. أما مطلقاً فلا ... لا.
والتمثيل لا يكون في حبائله إلا نوع من نزع الحياء منه، والحياء من الإيمان، ولا إيمان لمن لا حياء له. وفي الحديث (إذا لم تستح، فاصنع ما شئت).
وقد سُمي المزاح مزاحاً، لأنه مُزيح عن الحق، ومُزيح للهيبة عن معتمله.
وللبدر الغزي المتوفي سنة 984هـ - رحمه الله تعالى - كتاب (المراح في المزاح) ذكر فيه جملة من وقائع المزاح في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم لدى الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم لدى التابعين - رحمهم الله - وهكذا.
وأن المزاح المشروع كان يأتي عرضاً، وليس حرفة تستهلك الحياة، وأنه محفوف بضوابطه الشرعية، من الصدق، وعدم الإعتداء على عرض وغيره، أو الكذب، أو الغيبة، وهكذا.
وبهذا تجتمع النصوص الواردة في مدحة وذمه. وقدم - رحمه الله - لكتابه هذا بمقدمة كاشفة عن أدب الشرع في المزاح ص/ 8 - 13 فلتنظر فإنها مهمة جداً.
خامساً: الوقت عصب الحياة، يُنفق في تحصيل ما يعود بالفائدة من دين أو دنيا، كمال ٍ يُكسب من حله، ويُبذل في غير إسراف ولا مخيلة.
والتمثيل في مسلسلاته ومسرحياته التي تستغرق الساعات الطوال، عدو كاسر على وقت المسلم، وامتصاص للأموال، ولا سيما وقد صار حرفة، بل فناً له رواده ومدارسه ومسارحه .. فكم بذل فيها من جهود، وكم أنفق فيها من مال، والنتيجة هُراء في هُراء، ورعونات يأنف من مشاهدتها الفضلاء.
وأما إن كانت بدعية، إي (دينية) على حد تعبيرهم الفاسد، فكم فيها من ثِقل ٍ في العرض وسماجة في الأداء. ولهذا فمن المشهور أن أكثر الخلق يعرضون عنها إلى مجالس لغو أخرى، ولا لوم، إذ يسمعون (سقط المتاع) يقول بصوته التقليدي على خط وهمي (أنا القاضي شريح)، ويرون ماجناً يقول (أنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب)، نعوذ بالله من عقول لا تستهجن ذلك.
وقد حُدثت عن إحصائية لبعض الدول الكافرة في أقل الناس، ومتوسطهم، وأكثرهم مشاهدة للتلفاز أسبوعياً، فوجد أن أكثرهم مشاهدة من شخص أو أسرة في الأسبوع بمعدل ساعتين لبرامج معينة، أما لبني جلدتنا فقد استغرقوا في مشاهدته، أبصار شاخصة وألباب فارغة، تستلهم جميع برامجه فتمتص من دينه ومقومات جياته بقدر ما يبث فيها، ويستلهمه هذا المسكين، فالله المستعان.
سادساً: التمثيل، لا ينفك عن (الكذب)، بحال في الفعال، والأقوال، بل كم من يمين غموس، وزواج، وطلاق .. وكله اختلاق.
والكذب أدوى الأدواء، ويطبع المؤمن على كل شيئ خلا الخيانة والكذب.
ووجه عدم انفكاكه عن الكذب على ما يلي:
1 - إن كان أسطورة، فهذا من أساسه اختلاق، وبئس المطية لتوجيه الأمة وترفيهها بما هو كذب عليها، وملاعبة لعقولها.
2 - وإن كان يمثل معيناً كصلاح الدين الأيوبي، وغيره من العظماء من قبل ومن بعد، فإنهم سيقولون (قال) وما قال، و (فعل) وما فعل، وهكذا في حركات وتصرفات هي محض افتراء، وتقوّل عليه.
وإذا حرم الله شيئاً مثل الكذب، حرم ما بني عليه، وأوصل إليه، والتمثيل سبيل إليه، فيحوي من الكذب ما تراه، فالله المستعان.
وعجيب - والله - أن يتهافت الناس على مشاهدة الكذب وسماعه.
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب .. ) الحديث رواه أحمد في المسند، من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -.
والخلاصة: أن الممثل (قتيل التمثيل) في الابتداع أو التشبه، وفي الكذب، وخرم المروءة، ووأد الحياء والتضحية بوقته لحياة هزلية.
¥