تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثانيها في عام 1401هـ أزيل هذا الشارع، وقطع الجبل من أصله، وفصل موضع الصفا عن الجبل، وفتح بينه وبين الجبل الأصل طريق متسع للمشاة بين ما بقي من أصل الجبل، وبين جدر الصفا من خارجه الشرقي، تسهيلاً للحركة والمشي حول المسجد الحرام، وتيسيراً للناس عناء صعود الجبال والهبوط منها في ذلك الموضع.

وبهذا أزيل ظاهر جبل الصفا من الوجود، ودخل في ذمة التاريخ في هذا العام 1401هـ بيد أن أصله وقاعدته موجودة تحت أرض الشارع المذكور ممتدة إلى منعطفه الشمالي الشرقي المواجه لساحة المسعى الشرقية تثبت امتداداته قبل نسفه، وفصله عن أصله، وإزالة الظاهر على وجه الأرض منه.

ومعلوم لكل من رأى باب الصفا قبل التوسعة السعودية العظيمة -التي لم يسبق لها نظير في التاريخ- أن باب الصفا الذي عناه أبو إسحاق الحربي كان يخرج منه من المسجد الحرام إلى الوادي مسيل سيل البطحاء، ثم يسار فيه بعد الخروج منه بانعطاف مرتفع نحو الشرق حتى يلاقي الطريق النازل من منحدر الثنية المنكدرة من أعلى الصفا.

ومن ثم يُدخل إلى المرتفع من الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم.

وبهذا يظهر أن طرف جبل الصفا الغربي الجنوبي كان منقاداً إلى موضع السلم الكهربائي الصاعد إلى الدور الثاني من المسجد الحرام الذي سبق أن قررت القول فيه آنفاً.

كما أن قول أبي إسحاق في تحديده لجبل الصفا "إلى منعرج الوادي" ينص صراحة على اتساع هذا الجبل شمالاً إلى منعطفه من واجهته الغربية، إلى منعطفه نحو الشمال المقابل للبطحاء (الساحة الشرقية للمسعى) ولا ريب أن ما بين طرفه الغربي الجنوبي وطرفه الشمالي عند منعرج الوادي إلى الشرق من ناحية الشمال تشمله التسمية المقصودة بالخطاب في هذه الآية الكريمة، وما شمله الاسم العلم للمسمى صح اعتبار ما يحدث في بعضه من الأعمال والأقوال حادثاً في جميعه وله حكمه ووصفه شرعاً وعرفاً، ويترتب على هذا أن المنطلق (أي الساعي) بنيّة السعي من أي موضع مما يشمله اسم الصفا لغة وعرفا يكون داخلاً في عموم المراد بالخطاب بهذه الآية الكريمة، ساعياً بحق وحقيقة بين الصفا والمروة إذا ما انتهى به سعيه مما ذكرت إلى مسامتٍ له من جبل المروة المقابل له من ناحية الشمال.

وسوف لا يكبر عليك إطلاقهم اسم الصفا على كل هذه المساحة من الصدر الغربي والجنوبي الغربي من جبل أبي قبيس، ولا كيف عدّو بعض هذا الجبل جبلاً آخر وسموه أيضاً باسم آخر إذا علمت أنهم قد عدّو أصله وأسفله من ناحيته الشمالية المقبلة على المسجد الحرام وامتداد المسعى شمالاً المحاذية لموضع مولد النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم (موضع مكتبة مكة اليوم) جبلاًَ آخر سموه فاضحاً منذ أن تغلب فيه مضاض بن عمرو الجرهمي جد نابت ابن إسماعيل عليه السلام لأمه على السميع الجرهمي أيضاً ملك قبيلة قطوراء الجرهمية وقتله وافتضح قبيلته ونساءهم، وأخرجهم من الحرم، وتملك عليه (أخبار مكة للأزرقي 1/ 82 - 83، 2/ 268 - 269) وسوف لا يكبر عليك أيضاً أنهم سموا واجهته وسفحه الجنوبي والشعاب النازلة منه (أي من جبل أبي قبيس) على المسيل اللاصق به من الجنوب أجياد الصغير (الأزرقي 2/ 290) وكذلك سموا شقه الأعلى المرتبط من الشرق والشمال الشرقي بالجبال المتصلة به الخندمة (الأزرقي 2/ 269).

فهذه أربعة أسماء لجبال أربعة متفرقة الأسماء مستقلة الذوات مجتزأة من جبل واحد يسمى كل منها جبلاً مستقلاً بذاته وصفاته على الحقيقة، وينسب إليه ما يقع فيه من أحداث ووقائع، وما يخصه من أحكام أو يخص المكلفين بعمل فيه.

المقصود من ذكر ما سبق من القول:

وإنما ذكرت هذا بياناً لمجمل ما أردت إيضاحه من أن الصفا جبل متسع التكوين عريض الامتدادات من جنوبه الغربي، وشماله المحاذي للامتداد الشرقي والغربي لجبل المروة، وليس مقصوراً على الموضع الذي حجز اليوم بالبناء عليه لبدء الساعين منهم سعيهم كما يتبادر لعين المشتغل بأداء شعيرة السعي فيه، كما سأوضحه في ما يلي من بحثي هذا إن شاء الله، ليُعلم أن ما يصل بين موضعين متقابلين من هذين الجبلين مشمول بخطاب ما شرعه الله تعالى من التطوف بهما للحاج والمعتمر.

المروة في الوضع اللغوي هي واحدة المرو، بهذا عرّفها علماء اللغة في مدوناتهم العلمية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير