2. تأخير المسعى ونقله من موضعه الذي كان هو فيه ممتداً في موضع الحصوة التي كانت شرقي بئر زمزم إلى الموضع الذي هو فيه اليوم متصلاً من شرقه بالفضاء والممتد بين جبلي الصفا والمروة مفتوح عرضه للساعين فيه مهما كثروا وازدحموا لا يعيقهم فيه عائق لعدم وجود حاجز يمنع توسع الساعين في عرضه إذا ازدحموا فيه في حيز ما بين الجبلين قبل أن يعتدي الناس عليه ببناء دورهم على جانبه الشرقي وتضييقه على الساعين، وطمس معالم اتساعه عرضاً بما أقاموه عليه من دورٍ وأسواقٍ دون أن يمنعهم حكامهم من الاعتداء على المشاعر المقدسة.
توسعة المطاف وتأخير المسعى عن موضعه:
الدعوة إلى توسيع عرض المسعى لتخفيف الازدحام فيه عن الساعين أمر مطلوب شرعاً ومرغوب عرفاً من جوه كثيرة:
أولها: ما سبق أن ذكرته آنفاً من بيان حدود كل من جبل الصفا وجبل المروة، وأن توسيع عرض المسعى من الشرق على الطريق الغربي من الساحة الملاصق للجدر الشرقي من المسعى بقدر عرض المسعى الحالي، ليكون الحالي للآتي من المروة والجديد للساعي من الصفا إلى المروة يقع ضمن حدود البينية الكائنة بين جبلي الصفا والمروة، وليس خارجاً عن أي منهما.
وأنه مشمول بقول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما).
وهذا جائز شرعاً لعدم خروجه عن دلالة نص هذه الآية الكريمة ومنطوقها.
وقد سبق آنفاً إيضاحي تفصيلاً بيان حدود هذين الجبلين وامتدادات كل منهما.
ثاني هذه الوجوه، أن التوسعة في مثل هذا المشعر الحرام سبق لها نظير في مثله، بل في ما هو مقدم شرعاً.
فقد وسّع عمر بن الخطاب رضي الله عنه المطاف حين رأى شدة ازدحام الحجاج فيه، فاشترى البيوت التي كانت محيطة به فهدمها، ووضع المطاف في موضعها، وذلك سنة 17 هـ.
ثُمَّ وَسَّعهُ – أيضاً _ عثمان بن عفان رضي الله عنه في عهده سنة 26 هـ لنفس الغرض أيضاً.
ثُمَّ وسعه – أيضاً – عبد الله بن الزبير أيام خلافته لنفس الأمر حين رأى كثرة الزحام فيه.
فهذا عمل اثنين من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم والعض عليها بالنواجذ.
وهو – أيضاً – عمل صحابي آخر هو أحد خلفاء المسلمين وحكامهم.
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على هذا وأقروه حيث لم يعترض منهم أحد على هذا العمل، بل حَبَّذوه ورأوه عملاً صالحاً تم لمصلحة المسلمين.
ثالثها، أن المسعى الحالي ليس هو في عرضه على ما كان في العهد النبوي، ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم، بل اقتصر من عرضه بزحف المباني عليه من ناحيته: الغربية والشرقية.
1 – أما من الناحية الغربية فيدل على ذلك أن البيوت كانت لاصقة بالمطاف مرتصاً بعضها بلصق بعض من المطاف إلى المسعى حيث كان:
أ - دار الأزرق بن عمرو الغساني جدره لاصق بالمطاف من ناحية الشرق، فاشترى ابن الزبير نصفها وأدخله في المطاف. ثم اشترى بقيته المهدي العباسي عام 160 هـ فأدخلها المطاف.
ب ـ واشترى دار خيرة بنت سباع الخزاعية التي كانت لاصقة بدار الأزرق من الشرق وبابها الشرقي كان شارعاً مفتوحاً مباشرة على المسعى قبل أن يؤخر عن موضعه، وَوُضع المسجد في موضع دارها ودار آل جبير بن مطعم، وجميع الدور التي كانت بين المسجد والمسعى فَوُضِع المسجد في موضعها وأّخَّرَ المسعى إلى موضعه الذي هو فيه اليوم (4).
ج ـ وفي توسعة المهدي الثانية عام 167هـ أمر بشراء الدور التي كانت باقية بين المسجد والمسعى فاشتريت وهدمت وهدم أكثر دار محمد بن عباد العائذي الكائنة عند العلم الأخضر بركن المسجد من جهة الصفا وما جاورها توسعة للمسجد وللمسعى.
قال الأزرقي: " فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، وجعلوا المسعى والوادي فيها" (5) أي نقلوا المسعى من بطن المسجد إلى موضع الدور التي هدموها.
أقول: ما اختُصِر من عرضه حينا، وزيد فيه حينا آخر يجوز اليوم حتماً توسيع عرضه محافظة على سلامة الساعين وحياتهم بدفع الازدحام عنهم فيه بقيد ما ذكرته سابقاً في بياني لحدود جبلي الصفا والمروة.
¥