بِها أُجْلي هُمُومِي مُسْتَرِيْحًا إذَا جَلَّى هُمُوْمَهُمُ الشَّرَابُ
ولِسَانُ حَالِهِ، كَما قَالَ غَيْرُهُ:
وأدَّبَني الزَّمَانُ فَمَا أُبَالي هُجِرْتُ فَلا أُزَارُ ولا أزُوْرُ
ولَسْتُ بقَائِلٍ مَا عِشْتُ يَوْمًا أَسَارَ الجُنْدُ أمْ رَحَلَ الأمِيْرُ؟
* * *
? صِفَاتُهُ الخَلْقِيَّةُ:
فَكَانَ رَحِمَهُ الله يَعْلُوْهُ بَيَاضٌ في حُمْرَةٍ، وتَكْسُوْهُ ممَاسِحُ سُمْرَةٍ، رِبْعَةٌ مِنَ الرِّجَالِ، لا قَصِيْرٌ ولا مِطْوَالٌ، ضَخْمُ القَامَةِ، عَظِيْمُ الهَامَةِ، شَثْنُ الكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ، ضَخْمُ الرَّأسِ أدْعَجُ العَيْنَيْنِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، ضَلِيْعُ الفَمِّ والهَيْئَةِ، بَادِنٌ مُتَماسِكٌ، مُعْتَدِلٌ مُتَمالِكٌ!
? مُؤلَّفَاتُ ابنِ القَيِّمِ الصَّغِيْرِ:
أمَّا مَزْبُوْرَاتُ تَآلِيْفِهِ، ومَسْطُوْرَاتُ تَصَانِيْفِهِ، فمَعْلُوْمَةٌ مَشْهُوْرَةٌ، مَعْرُوْفَةٌ مَأثُوْرَةٌ، سَارَ بِها الرُّكْبَانِ، وطَارَ بِها الطِّلْبَانِ، فَاقَتْ عُقُوْدَ الجُمانِ، وسَابَقَتْ قَلائِدَ العِقْيَانِ، تَضَوَّعَ مِسْكُ ثَنَايَاهَا، وتَفَوَّحَ عَبِيْرُ خَفَايَاهَا، تَنْهَلُ مِنْهَا المَوَارِدُ، وتَصْدُرُ عَنْهَا المَزَاوِدُ، آثَارُهَا في العَالمِيْنَ مَكْتُوْبَةٌ، وثِمارُهَا في الخَافِقِيْنَ مَجْلُوْبَةٌ، فَهِيَ بحُسْنِ سَبْكِهَا غُرَّةٌ في جَبْهَةِ الزَّمَانِ، ودَلَّةٌ يقْتَدِي بِها أهْلُ العَدْلِ والإحْسَانِ، كَأنَّها صُنُوْجُ العَسْجَدِ تُصَفَّقُ، أو دَنَانِيْرُ مِنَ الإبْرِيْزِ تَبْرُقُ ... !
وحَسْبُهُ أنَّ الله تَعَالى نَشَرَ كُتُبَهُ في حَيَاتِهِ، وحَفِظَهَا بطُلابٍ بَعْدَ ممَاتِهِ، وجَعَلَ لهَا قَبُوْلاً في مَشَارِقِ الأرْضِ ومَغَارِبِهَا، وإقْبَالاً مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ وطُلابِهَا، ارْتَضَاهَا أهْلُ العِلْمِ على اخْتِلافِ مَشَارِبِهِم، وتَنَوُّعِ طَرَائِقِهِم وأفْكَارِهِم، فللَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ!
ولَيْسَ الإطْنَابُ فِيْهَا بكَثِيْرٍ، ولكِنْ يَكْفِي مِنَ القِلادَةِ مَا أحَاطَ بالعُنُقِ.
* * *
? فلشَيْخِنَا رَحِمَهُ الله مِنَ التَّآلِيْفِ العِلْمِيَّةِ، والرَّسَائِلِ القَيِّمَةِ، والتَّحْقِيْقَاتِ المُجَوَّدَةِ، والفَتَاوَى المُحَرَّرَةِ مَا يُقَارِبُ السَّبْعِيْنَ أو يَزِيْدُ، والمَطْبُوْعُ مِنْهَا قَرَابَة بِضْعٍ وسِتِّيْنَ فِيْما أعْلَمُ، كَما أنَّه رَحِمَهُ الله قَدْ أكَّدَ لخَوَاصِهِ مِنَ طُلابِ العِلْمِ، وكَذَا قَدْ وَعَدَ في مَثَاني كُتُبِهِ أنَّهُ عَازِمٌ على إخْرَاجِ بَعْضِ الكُتُبِ المُفِيْدَةِ، والرَّسَائِلِ العَدِيْدَةِ ... فمِنْهَا مَا أظْهَرَ اسْمَهَا، وأُخْرَى قَدْ أضْمَرَ رَسْمَهَا، ونَحْنُ في انْتِظَارٍ لاسِيَّما مِنْ أبْنَائِهِ النُّجَبَاءِ، وطُلابِهِ الأكْفَاءِ، والوُعُوْدُ عُهُوْدٌ.
? وهَذِهِ ثَانِيَةً؛ أنَّهُ رَحِمَهُ الله كَانَ لَهُ عِنَايَةٌ تَامَّةٌ لامَّةٌ بكُتُبِ شَيْخِ الإسْلامِ الإمَامِ الحَافِظِ أبي عَبْدِ الله مُحمَّدِ بنِ أبي بَكْرٍ أيُّوْبَ ابنِ قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ رَحِمَهُ الله (751)، وهَذَا مَا يَشْهَدُ لَهُ أهْلُ العِلْمِ والحِجَى، بَلْ أصْبَحَ اسْمُ بَكْرٍ قَرِيْنًا باسْمِ ابنِ القَيِّمِ، فَلا يُذْكَرُ أحَدُهُما إلاَّ وذُكِرَ الآخَرُ، فللَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ، و «المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ»! مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
? وثَالِثَةً؛ أنَّ مَجْمُوْعَ أطَارِيْحِهِ رَحِمَهُ الله (المَاجِسْتِيْر والدَّكْتُوْرَاه) كَانَتْ دِرَاسَةً مُحَرَّرَةً عَنْ فِقْهِ ابنِ القَيِّمِ، فرِسَالَتُهُ (للمَاجِسْتِيْر) كَانَتْ بعُنْوَانِ «الحُدُوْدِ والتَّعْزِيْرَاتِ عِنْدَ ابنِ القَيِّمِ»، ورِسَالَتُهُ العَالمِيَّةُ (الدُّكْتُوْرَاه) كَانَتْ بعُنْوَانِ «أحْكَامِ الجِنَايَةِ على النَّفْسِ ومَا دُوْنَها عِنْدَ ابنِ القَيِّمِ»، مَعَ ضَمايِمَ دَائِرَةٍ في فَلِكَ عُلُوْمِ ابنِ القَيَّمِ رَحِمَهُ الله، مِثْلُ: «ابنِ قِيِّمِ الجَوْزِيَّةِ، حَيَاتُهُ وآثَارُهُ»، و «التَّقْرِيْبِ لعُلُوْمِ ابنِ القَيِّمِ»، وغَيْرِهَا مِنْ مَعْلَمَةِ ابنِ القَيِّمِ.
¥