حسن نصر الله أخطأ، فقد فتح الطريق لتكوين جيش ضد حزبه، وأعطى مبررا لن يسهل نقضه، وكان خصومه لا يملكون عقيدة حرب ولا سلاح، فقد أعطاهم مبررا لذلك، وفتح على نفسه وقومه باب جحيم لم يكن له حاجة لطرقه، وسيعود بإضعافه وإضعاف المقاومة عموما ومستقبلا. ونرجو أن لا تصعد قوى تمزيق جديدة أكثر من الموجود.
وكان هؤلاء الناقدون للمقاومة، لا يملكون عقيدة إلا عقيدة كراهية حزب الله، واليوم سيقوى الجيش وستبنى مليشيات تبدأ رسالتها ضده، ثم تكون جيشا يحقق رغبة إسرائيل ويحميها كما فعلت الكتائب سابقا، وقد أصبح للمليارات مبررات كثيرة وسوف يحوّل المزيد من المال لتشكيل قوة ضاربة ضده فوق ما توقعه هو ومن معه، لم تكن هناك في الماضي فرصة إسرائيلية لتكوين قوة ولا مبررات كافية لاستخدام السنة والمسيحيين والدروز ضد الحزب، أما اليوم فقد يكون للتاريخ مجرى آخر.
في السابق، ليس لدى الطرف الأمريكي الإسرائيلي في لبنان من عقيدة متفق عليها إلا الطاعة لما يشتهيه السادة في واشنطن وتل أبيب، وهذه الطاعة بلوغها صعب، مصاريفها ضخمة ونتائجها خسارة. أما اليوم فقد وجدوا مساعدة أعطاها لهم الحزب، العقيدة كانت هي ما يفتقده خصومه، واليوم قد يجدوا عقيدة كانت بعيدة المنال، وستظهر نسور وغربان كثيرة على جثث اللبنانيين كما تظهر دائما على ضحايا الحروب.
حسن لم يدرك أن التاريخ لا يعيد نفسه، فليس هو صلاح الدين، لينظف الدار قبل القرار، بل ربما وقع في قصة صدام في الكويت، ثم تبقى قصة كونه من طائفة والطائفية تكسر سلاحه، فبعض الذين أيدوه قديما في المقاومة أيدوه على استحياء، إذ يعجب أحرارهم عمله، ويشكّون في ولائه، ولم يكن بحاجة لهذه الخطوة!
أما السنة، فليس لدى حكوماتهم الكبيرة فضلا عن الأقلية في لبنان من مواقف سياسية تجاه أحد، وهم مفلسون جدا في مجال العقيدة السياسية، ويحاربون وجودها، ويرقبون كل زيارة وزائر من هنا وهناك، عسى أن يمن عليهم أو يحدد لهم عدوا أو يضع على ألسنتهم خطابا أو ألقابا، وقد فعل الزوار وسيفعلون، وستبقى ألسنتهم معبرا لأفكار الآخرين ومصالحهم، حتى تأتي لحظة المصالحة والوعي التي تبدو بعيدة ما دامت ثقافة العصمة والغرور هي السائدة.
(2 - 2)
من القراء من طلب أكثر من مرة العودة إلى كلام قديم لا أريده، فقد صح واستقر، وليس مهما إعادة البحث فيه، ولكن أشكالا قريبة منه تعود بأوهام البعض؛ من نمط تصنيف الصراع في لبنان وأنه بين السنة والشيعة، وأشكل عليهم المزج الغريب هذا، إذ نجد حكومات سنية ضد السنة في غزة وضد حماس والجهاد، ونجد شيعة يؤيدون ويدعمون الحركتين، فالحكومة المصرية ترسل النفط لإسرائيل وتحارب حماس في غزة، وعذبت عددا من رجالها في مصر، تطلب منهم أن يدلّوا على موقع الجندي الصهيوني الأسير "شاليط"!
وتتهم الحكومة المصرية غزة بأن فيها "إخوان مسلمون"، وهؤلاء قد يتضامنون مع الإخوان في مصر، فيسقطون الإمام المعصوم، فيخسر الصهاينة الشريك المخلص، مع أن هذا الحبيب المقرب للديمقراطية الصهيونية، يبدأ كل موسم انتخابات بقرار يضع خصومه في السجن من الإخوان وحركة كفاية، ثم يقيم لبعضهم محاكم عسكرية، ويقيم انتخابات ويجلب البلطجية لمن يصوت لغيره! من الطريف أن كلمة "بلطجية كما هي بالعربية"، دخلت قاموس الإنجليزية في السي إن إن ونيويورك تايمز لأول مرة بسبب الانتخابات المصرية لمبارك!
في التقسيمات اللبنانية، هناك اشتراكيون، وقسم من الدروز، فريق جنبلاط، ومسيحيون وقتلة مجرمون، مثل جعجع والجميّل وارث الكتائب، ووارث سيئ السمعة أخيه بشير "والتاريخ الأسود في صبرا وشاتيلا"، فهم اليوم مع الحريري والسنيورة وقباني ومشايخ وإخوان مسلمين، في تيار المستقبل ومعهم شيعة، وهذا الطرف أغلبه سنة، وهم من يمثل الخط الأمريكي كما يراه حزب الله.
يقابل هذا مشايخ سنة، لهم سابقة دعوة وعمل مع حزب الله، مثل فتحي يكن رئيس "جبهة العمل الإسلامي" وقسم من الإخوان المسلمين، وقسم من الدروز، ومسيحيون مثل عون (عدو سوريا سابقا) وتياره وأمل "ذات التاريخ المظلم في قتل الفلسطينيين" مع حزب الله، وهذا تيار أغلبه شيعة. فهل التسمية والتقسيم: "سني وشيعي" تقسيم صحيح؟
¥