تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحقيقة أن من الخطأ جعل الدين أو المذهب سلاحا للتمييز بين الصفين، أو توهم أن قصة سنة وشيعة هي مدار الصراع، فالأديان والمذاهب الآن في لبنان تابعة ومستخدمة من قبل السياسيين من الطرفين، والعقيدة التي تميز بين الطرفين هي السياسة ومصادر التمويل، ومن السياسة الموقف من الخارج ـ أمريكا وإسرائيل، من جهة، ومن الجهة الأخرى سوريا وإيران، هي الفيصل فيما يدور بينهم اليوم، فمن كان مواليا لأمريكا وهادئا على الأقل في موضوع الصهاينة، فهو في حزب الحريري وبعض الدروز وبعض المسيحيين، ويطلق عليهم ألقاب إيجابية من أمريكا ومن إسرائيل وإعلامها، فهم: "المعتدلون".

ومن كان مع المقاومة وضد إسرائيل، فهو ضد أمريكا ومع سوريا وإيران، سلفيا كان أو شيعيا مسيحيا أو شيوعيا إخوانيا أو قوميا. ويسميهم الأمريكان: "المتطرفين أو إيرانيين"، هذا إن سلموا من تسميتهم بـ: "إرهابيين"، كما يعيّر الاحتلال المقاومة في أي مكان. ومجمل هؤلاء مع تيار حزب الله (معارضة، أو ممانعة، أو مستقلون، أو مع إيران). وبهذا تفهم أين العقائد مما يدور، إن المواقف السياسية من إسرائيل وأمريكا وإيران هي "العقيدة" وهي محط الولاء والبراء في هذه الساحة. والأديان يسخرونها لمصالحهم أو لعقائدهم السياسية المذكورة.

بعدما شاع أن إيران تساعد المقاومة في فلسطين من [جهاد وحماس]، وتدربها وترسل لها المال، وبحثنا عن جواب الفلسطينيين، فكان من فحواه: إن كان كذلك فليس كله حبا للسنة، ولكن مصالح إسلامية مشتركة، وإيران ربما فعلت دفاعا عن إستراتيجيتها، ومذهبيتها السياسية الاستقلالية من الاحتلال الغربي، وموقفها من الصهاينة واضح، وللفلسطينيين حسابهم، ويرون أنفسهم في حال المضطر لإيران، فلم يستقبلهم السنة ولم يموّلوهم، ولم يعطوهم جوازات ولا تدريب ولا إقامة على أرضهم، ويقولون إنه لا يجرؤ إنسان شريف على نقدهم في اللجوء إلى إيران، لأنه لا يملك ـ كما يقول الفلسطينيون ـ أي جواب معقول أو مشروع يدل على أنهم تشيعوا بسبب الإعانات!

ويردون على مخالفيهم: ماذا تقولون وأنتم ترون المواقف تستقر على هذا النحو: غالب الفلسطينيين في الداخل والمهاجر (بحسب الانتخابات) وحماس والجهاد والشعبية وقيادات وكثير من شرفاء فتح وإيران وحزب الله وسوريا في صف، وترون في الصف المقابل: دحلان وعباس وبعض المنظمة والصهاينة ودول عربية في صف!

هذا ليس ضربا من الخيال، بل يسد عليكم الأفق وتتعثرون به، وقصة سنة وشيعة لا تملك أن ترفعها للجدال في الفقرة السابقة، ولعلكم ترون بحق أن مواقف أتباع الصهاينة أكثر انسجاما مع باطلهم وأنفسهم من مواقف كثير من المتدينة العقائديين الغارقين في تناقض لا يثمر علما ولا عقلا ولا مصلحة! [انتهى تلخيص الحوار مع أحدهم بأسلوبي في هذه الفقرة]

إنكم ترون السنة "بعض الحكومات غير المستقلة"، يحاصرون الإسلاميين الفلسطينيين، ويرسلون المال والدعم لأعدائهم، وليحققوا انقلاب دحلان عليهم، (راجع الفضيحة التي وثقتها مجلة فانيتي فير، فلم يسقط بسببها أحد ولم ينتحر فاعل، لأنه في زماننا خيانة الشعب في بلاد العرب لا تعاب)، مع أن حماس وصلت بطريقة منتخبة ديمقراطية على عين كارتر نفسه مراقبا، فليست مشكلة أمريكا وإسرائيل مع إيران وحماس وحزب الله، الديمقراطية، غابت أم حضرت، بل مشكلة إيران أنها استقلت، وأن لها حكومة مستقلة تصنع مصلحتها، وأن حماس والجهاد مستقلون، وهكذا أي حكومة أو حزب سني أو شيعي، صيني أو هندي، فسيكون هذا مصيره مع أي إمبراطورية، إلا عندما لا تستطيع الإمبراطورية قهره فإنها تشاركه؛ بحسب المثل السائد عندهم "إن لم تستطع أن تغلبهم فشاركهم".

وشيء من هذا هو سبب سياسة المشاركة مع الإيرانيين في أفغانستان والعراق. وغير مستبعد أن تتنازل الإمبراطورية وتحاور من تسميهم اليوم إرهابيين، وتصالحهم، لأن للإمبراطوريات مصالح تتجاوز أهمية كثير من الأتباع، إذ يرى الأتباع المواقف حاسمة، ولكن السياسة والمنافع مرنة عندما تواجهها القوة ولو كانت صغيرة ولكنها جادة ومستمرة، إذ التخفيف من قسوة التحيزات واللجوء للتفاهم مصير البشر دائما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير