تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبقي أن ندرك أن مشكلة أحداث نيويورك وما تلاها صدمت السنة وقياداتها التي تتمنى أي مخرج من لوازم الحياة، وحملت أكثر مما تحتمل، فأصبح السنة "قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل"، أصيبوا بالرعب فاتجهت حكوماتهم وبعض شعوبهم إلى تزيين التبعية والسلبية والجبن، وثقافة السلام المتطرف، حتى تبين للسنة أنفسهم في بيروت بفضل قيادتهم الجديدة بأن ثقافتهم أشبه بثقافة صالة استقبال في فندق، بلا قوة ولا حمية، ومزق السنة صور الحريري لما أوصلتهم إليه ثقافة المال المرسل إليه والقلوب التي انهارت بعد سبتمبر، حين تصبح القوة عيبا، والدفاع عن النفس إرهابا.

* وماذا عن الحزب بعد الحرب

بشار وحسن: شابان مولعان الآن بالخطابة، أو هكذا يبدو لمن لا يعرف عنهما إلا هذا، مع بروز ودهاء في إدارة وخطابة حسن، وقد ظهر أنه فقد منها الكثير في لقائه الأخير، غير أن الخطابة تبدو من مشكلات بشار الظاهرة، فقد تورط في لغة فوق طاقته، وحل منصبا في جسم قديم متهالك يفتك بشبابه، ويصّلب أو يجمد البيئة من حوله، ولعل الظرف أكبر من الشخص، فيتراجع وينساق مع لغة موروثة ليست له، وليس لها، وقد رأيناه وقد اختطفه السجع ورنة الكلام، فأساء استخدامها، ومدح وذمّ، وتورط فلم يستطع أن يسيطر عليها في أخطاء ستلازمه ما دام حيا بقوله: "أنصاف مواقف وأنصاف رجال". لم يقصدها إلا لمجرد سياحة لغوية، كما يقولون، وهي شبيهة بسجع المثل الذي ردده صدام فورطه: "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، ولم يبد قادرا على الخلاص من إلزامات المثل المسجوع!

أما حسن نصر الله، فورطته أكثر من كبيرة، وأهم ورطة سيعانيها في المستقبل القريب هي قوته من السلاح والأفكار، فقد شحن الصدور وملأ الرؤوس غرورا وثقة، وملأ المخازن، فأين سيصرف شحنات السلاح وشحنات العواطف، إنه صنع جوا ثوريا، والثورة سوف تبدأ في أكل أهلها إن لم تجد ما تأكله. ولو تحقق له أن قضى على بعض خصومه ـ في هذه المناوشات ـ فلربما خفف من زفرات جحيم جيشه، ولو واجهه أحد في الشوارع لتحقق بعض التنفيس، فأين يسرب هذه القوة، لأن السياسة المجردة لا تسعها الآن، إلا أن يقبل وحزبه بخطة عبقرية يتجنبون فيها هياج ما اقتنعوا به من الانتصار.

وقضية القضايا هنا هي التحولات السياسية التي قد تنجح، فقد تصالح سوريا، وتستعيد شيئا من ماء الوجه، وتقطع الصلة بإيران وحزب الله ثمنا لذلك، وبهذا تحل الكارثة على إيران في حماية مصالحها في الشام، لأن المشروع الذي يقوم به البارع أردغان الآن في الصلح ـ إن تمّ ـ فسوف يدمر الكثير من المصالح الإيرانية، ويضعف طموحاتها ويعزلها، ويمتد الأتراك في الميراث الإيراني (الشام كله) بعلاقات وصلات جيدة على حساب الإيرانيين، وتضعف المقاومة المرتبطة بالشيعة في كل مكان، وأهمها لبنان، إذ لن يكون للأتراك علاقة قوية بهم؛ ليس فقط بسبب سنة وشيعة، ولكن لأن تركيا منافس كبير للفرس قديم ومتجدد في المنطقة، وترتبط تركيا مع الصهاينة بعقود وعهود لن يفرط فيها الأتراك ولا الصهاينة قريبا. كما أن تركيا تمتد حضاريا "جنس الترك" من غرب الصين إلى البلقان، ومذهبيا تمثل مذهب الأغلبية.

أما الفلسطينيون، فسوف تحاول تركيا أن توقف ـ ولو مؤقتا ـ المقاومة الفلسطينية التي كانت تتلقى دعما وتدريبا إيرانيا، ولكن خطوة كهذه، أي سقوط المقاومة المرتبطة بإيران، سوف يوحد منطقة واسعة الأرجاء سنيّة ـ إن بقي شعار السنة مرفوعا آن ذاك ـ ضد الصهاينة، أي ستحمل المقاومة القادمة شعارات الإصلاح وأفكارا إسلامية، لأن المنطقة العربية أصبحت الآن خاوية من الأفكار المضادة، فقد ذهب البعث، وضعفت القومية، وتراجع الشيعة سياسيا على الأقل، وسوف تسود أو تنتصر أفكار إسلامية تجديدية أو معتدلة، ولن تنجح إلا بشيء من القطيعة مع الحاضر.

ومما سيجعل التوجه يتسلح بهذه الأفكار الحاجة الفطرية، والتحولات في المنطقة ومحيطها، تتجه إلى هذا الاتجاه، فالصهاينة يتجهون إلى عنصرية دينية حاسمة، وهذه أوروبا يحكمها اليمين المسيحي كما لم يكن من قبل، و تركيا تقبل باستحياء أو بذكاء على استعادة هوية دينية. وهنا يعود تركيب الصراع القديم التركي الفارسي، وهذا طبيعي في حال بقاء الجمود السياسي والجهل والتبعية العربية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير