تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن قياس الأول على الثاني قياس مع الفارق إذ كيف يقيس عاقل: الشرك على التوحيد!، فذلك عين التخليط بمنزلة من قاس البول على الماء فكلاهما مائع!.

والافتقار إلى النبوات: افتقار مستدل إلى دليل، افتقار مستهد إلى هاد يهديه الطريق، فليس النبي هو الطريق، إذ لا واسطة، كما تقدم، بين العباد وربهم سواء أكانت روحانية، كما زعم الصابئة، أو بشرية، كما فعلت المشركة من غلاة الأمم من لدن نوح عليه السلام وإلى يوم الناس هذا، فالغلو في الصالحين جنس كلي تندرج تحته أفراد: غلو النصارى في المسيح عليه السلام، وغلو فئام من أهل القبلة في الأئمة والشيوخ ........... إلخ، فلسان حالهم، وإن أنكر بعضهم بلسان مقاله، لسان حالهم ما تقدم من قوله تعالى: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، والزلفى: لا تتلقى إلا من مشكاة النبوات، إذ هي الجامعة لصالح الأقوال والأفعال، فقد جمعت أصول التزكية النفسانية، فلم تدع لمحتاج إلى الهداية حاجة، بل سدت كل حاجة، ورفعت كل جائحة إيمانية، بما تضمنته من الطرائق العلمية والعملية. وهذا أصل امتاز به أهل التوحيد عن أهل التشريك، فإن المشركين على اختلاف أجناسهم: اضطرهم ما وقعوا فيه من الشرك الصراح، وهو نقيض ما قررته النبوات من خالص التوحيد وناصح الإيمان، اضطرهم ذلك إلى استبدال الوحي الشيطاني بالوحي الرحماني، فاستحدثوا مصادر عنها يتلقون، وهي مصادر لا تنفك عن وصف الطغيان بمنازعة الرحمن، جل وعلا، منصب التشريع سواء أكان ذلك في مقام الإلهيات العلمية أم الشرعيات العملية، وذلك، كما تقدم مرارا، من أخص أوصاف الربوبية، والعدول عن الوحي المعصوم إلى أقوال الأحبار والرهبان والأئمة والشيوخ، وإن كانوا صالحين يقتدى بهم، مظنة الغلو الذي يحمل صاحبه على إظهار العصبية لغير طريقة الرسالات السماوية من سائر الطرائق الأرضية، والعصمة فيما نزل من السماء لا فيما حدث في الأرض بعد ارتفاع النبوات، إذ لو كان خيرا ما وسع الرسل عليهم السلام السكوت عنه، وهم الذين بعثوا لهداية الخلق إلى طريق الحق، ولازم ذلك هدايتهم على وجه البيان: إلى كل ما يرضي الرب، جل، من خير الأقوال والأعمال، فدعوة غيرهم إلى ضد طريقهم: باطلة من وجهين:

الأول: أنها تصادم دعواهم، وكفى بذلك دليلا على بطلانها، إذ دعواهم مؤيدة بالوحي، مؤيدة بأدلة النقل الصحيح وأقيسة العقل الصريح، مؤيدة بالآيات الكونيات التي يدركها الحس الظاهر في عالم الشهادة، على حد قوله تعالى: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). مؤيدة بالشرائع الكاملات التي أقر بكمالها الفلاسفة الذين هم أفحش الخلق مقالة في النبوات، إذ جعلوها صناعة تكتسب ومهنة تحترف، وخيالات يراها النبي ذو القوة العقلية، والقوة التخييلية، والقوة التأثيرية في العالم، فهي إلى جنس المخاريق أقرب منها إلى جنس الوحي المعصوم، فهم مع ذلك يقرون بأنه ما طرق عالم الشهادة ناموس أكمل من ناموس الأنبياء عليهم السلام، وإن كان من عند أنفسهم، فلهم من الذكاء ما جعل شرائعهم الحكمية أكمل الشرائع، وتلك نظرة كثير من الغربيين اليوم ممن بهرهم كمال شرعة النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنسبوها إليه نسبة القانون إلى واضعه، فالنبوة عندهم من جنس السياسات التي يساس بها البشر، فمن كان أعظم عقلا وأحسن سيرة وأكمل طريقة فهو أهل للزعامة الأرضية، فليس للوحي في هذه النظرية منصب، إذ قد عزل ابتداء بتجويز تولي ذلك المنصب الجليل على جهة الاكتساب لا الاصطفاء، وذلك مما سرى إلى مقالة غلاة الأمم من النصارى الذين قالوا بعصمة الحواريين، ومن بعدهم نواب المسيح عليه السلام، أو رسل الكنيسة الذين بلغوا: 120!، فضلا عن باباوات روما، وقد كانت عصمتهم ثابتة إلى مجمع 1869 م ثم زالت فجأة!، ولعل ذلك مما نسخ إذ لا يزال قلم النسخ جاريا على دين الكنيسة إلى يوم الناس هذا، وتتبع تاريخ تلك الملة شاهد بذلك إذ لا يكاد الناظر فيه يحكي شرعة مطردة لاختلاف أهواء النساخ: تحليلا وتحريما!، وقد سرى كذلك إلى مقالات الغلاة من أهل القبلة الذين أثبتوا العصمة للأئمة ونوابهم من أصحاب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير